في العالم الذي أصبحت غالبية الأشياء فيه معروفة وقابلة للقياس هناك اشياء اخرى تنتظر عبقرية تكتشفها وتقدمها لنا على مقاييس مثل المقياس المئوي لدرجات الحرارة والمطر والزلازل والرطوبة والفقر.. وغيرها.
من الظواهر التي استفحلت في مجتمعنا ولا قياس لها ظاهرة الغضب الذي اخذ ينتشر في كل جوانب حياتنا ويؤثر على واقعنا وانتاجيتنا وعلاقاتنا.. وعلى معدلات الجريمة والعنف والخوف والنزاعات والثقة بالناس والدولة والقائمين عليها.
الغضب ظاهرة مقلقة تهدد الأمن والصحة والسلامة ومسستقبلنا.. اختلاف الصوت والتوتر العضلي وقبضة اليد والتعرق والتدخين والسباب والتهيؤ للاعتداء على مصادر الغضب؛ امور تحتاج الى قياس.
في سالف الايام كان ارتياد المسجد او الكنيسة كافيا لغسل صدور العابدين مما علق بها من غضب وعتب واستياء.. وفي هذه الايام يصعب التحقق مما يمكن ان يشعر به العابدون بعد ان يفرغوا من عبادتهم.
انتشار الغضب في اوساطنا بحاجة الى رصد وتحليل اذا اردنا تحقيق الرفاه والسعادة التي وعدنا الناس بها...
تجاعيد الغضب اكثر وضوحا على وجوه من نراهم في شوارعنا يبحثون عن اشياء لا يعرفون ماهيتها.. وعلى سلوك من يسيرون المرور ويتحدثون لنا عن المستقبل وهم يرتجفون من شدة الخوف والغضب الذي بدت تجاعيده على وجوههم.
كنت اتحدث الى احد الاطباء النفسيين الذي عمل لعقود في المشرق العربي.. سألته بان يحدثني عن الظواهر اللافتة في مجتمعنا هذه الايام... حدثني عن المخدرات، وزنا المحارم، والانتحار، لكنه لم يقل شيئاً عن منسوب الغضب.. كنت اتمنى ان تخصص بعض المؤتمرات التي يفتتح في كل اسبوع واحد او اكثر منها لبحث ظاهرة الغضب وأوجه خفض منسوبه باعتباره سابقاً لكل الافعال والحماقات والقرارات المؤذية التي نتخذها.
المطلوب ادراج الغضب على قوائم الموضوعات التي تعنى بها الجامعات والمدارس والنوادي..
ادارة الغضب مهارة يمكن تعلمها في المدارس والجامعات والبيوت. وموضوع الغضب يستحق الاهتمام قبل ان تغزو التجاعيد وجوه الجميلات، وتلقي باثقالها على القلوب التي اتعبها السهر، والطفر ومتابعة اخبار الثامنة واجراءات خفض النفقات التي لم تنخفض ولن تنخفض حتى وان انخفض منسوب الغضب الذي اتى على ارواحنا قبل اعصابنا ووجوهنا.