كان فتح مكة المكرمة بريادة وقيادة رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه اعظم حادثة في التاريخ الاسلامي من حيث الدروس والعبر التي تؤكد سماحة الاسلام وعظمة الاسلام دين العفو والرحمه ، فبينما كان كفار مكة ينتظرون أن ينكل بهم الرسول الكريم إستنادا الى سنوات طوال من العذاب والقهر والقتل التي مارسوها هم بحق محمد وأصحابه وأقرب الناس اليه صلى الله عليه وسلم ، بادرهم الرسول وسط نشوة النصر والفتح المبين بالسؤال ً ما تظنون أني فاعل بكم ً ، ليجيبوا تحت وطأة الخوف مستذكرين ما إقترفوا بحقه من ظلم وتعذيب وتآمر وقتل وتهجير وتنكيل بالمسلمين بقولهم. ً اخ كريم وإبن اخ كريم ً ، ليأتي الجواب الفصل من لدن من ارسله الله جلت قدرته رحمة للعالمين ً إذهبوا فأنتم الطلقاء ً .
تلك هي أخلاق الاسلام العظيم وتلك هي سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، تقابل الشر بالخير وتعفو عن كثير ، وتربأ وتسمو عن ممارسات القتل والتعذيب والحقد والضغينة والغدر والانتقام ، ولا مكان فيها إلا للرحمة والدفع بالتي هي أحسن إمتثالا لقوله تعالى ً إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ً ، صدق الله العظيم .
هذا هو الاسلام وتلك هي رسالة محمد للبشرية كافة وليس للعرب او لقوم دون سواهم وإنما لكل إنسان على وجه ارض الله الواسعه ، وليس أدل على ذلك من وصاياه صلى الله عليه وسلم لجيوش المسلمين أن لا تقتلوا طفلا ولا إمراة ولا شيخا ولا عابدا في صومعته ولا تقطعوا شجرا ، الى آخر قائمة الوصايا العظمى التى يتعلم العالم الذي يزعم الاهتمام بحق الانسان وشرف الجندية الكثير منها اليوم بعد اكثر من اربعة عشر قرنا من هجرته الشريفه .
نعم هذا هو الاسلام الذي يجسد القدوة الحسنة خلقا ومعاملة ورحمة وإجلالا للحياة في أسمى وأنبل معانيها سبيلا لاستقطاب العقول والقلوب إيمانا بالله الكريم ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه نبيا ورسولا ، حيث لا تطرف ولا غلو ابدا وإنما وسطية في كل امر من أمور الحياة ، وصدق في العمل والتعامل ورحمة مطلقة يجسدها موقف الرسول بشأن إمرأة تقوم الليل والنهار تعبدا عندما قال هي في النار ، والسبب أنها حبست قطة عندها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها لتأكل رزقها من خشاش الارض ، وتلك اعلى مراتب الرحمة ليس للانسان فقط وإنما لسائر المخلوقات مهما تواضع شأنها في نظر الناس . وتلك رسالة قررها الاسلام رفقا بالحيوان قبل أن يعرف الغرب الذي يفخر بالرفق بالحيوان في هذا الزمان معنى هذا الرفق إبتداء ، عندما يعلن محمد صلى الله عليه وسلم قبل الف واربعمائة عام واكثر ان جهنم هي مصير من يحبس حيوانا ويحول بينه وبين رزقه مهما بالغ ذلك الانسان في التدين .
لقد كان موقف الرسول من كفار مكة الذين أمعنوا في إيذائه في ذاته واله وصحابته ودعوته على نحو غير مسبوق ، اكبر واعظم وانبل واصدق دليل على عظمة هذا الدين وسموه فوق كل إنتقام او تطرف او غلو او إيذا لانسان او حيوان او نبات او اي من مخلوقات الله جل في علاه ، وهو سبحانه من وراء القصد .