عمون - من العالوك الى عمان وبالعكس .. رحلة الوجع اليومي وفي القلب حرقة وفي العين دمعة وفي الجيب نصف دينار تكفي فقط اجرة الباص من والى الجامعة الأردنية .
رحلة العذاب يا حبيب .. من بطن أمك التي تركتك في كنف الجدة ثم الى بيت بلا أم .. ثم الى حارات الغويرية .. ومنها الى ازقة شارع الجامعه الاردنية وصويلح .. عندما يتواطأ المكان والزمان على انسان مرهف مثل حبيب الزيودي يكون الناتج شاعرا بحجم الزيودي .
نصف الأردنيين لهم ذكريات مع حبيب ، ونصفهم الآخر سمع عن هذه الذكرى او تلك .. لكن النصفين يعرفون تماما ان حبيب لم يحض بالتكريم الذي يليق بشاعر قال عنه النقاد انه امتداد لمصطفى وهبي التل .. وقال آخرون انه بدر شاكر السياب الأردني .
سنتان على رحيلك «والمغني يطوف» .. سنتان «والشيخ يحلم بالمطر» .. يا حبيب يا زيودي حين يموت الشعراء تتجمد الدماء في عروق الشيح والقيصوم .. وتتيبس اشجار البلوط .. وتسقط حبات الزيتون خجلا من وجهك .
حين يموت الشعراء .. ينبت في الأرض شوك «العليق» .. وتنحني الزنابق والدحنون لتقبل الأرض التي تضم رفاتهم ، حين تركناك هناك على سفح مقبرة العالوك لأول مرة كنت أرى شواهد القبور تبتسم لقدومك يا ابن الأرض التي احببت .. يا ابن العالوك التي طويتها مثل رسائل المحبين وأودعتها القلب .
حين كنت تغضب من عمان كانت العالوك ملاذك وسكنك .. وكان الزيتون والبلوط مؤنس وحدتك حين كان يعز الأصدقاء ..
يا حبيب ..اطمئن الى الوضع الثقافي في الوطن .. فالوزارة ما تزال في مكانها بالقرب من مطعم جبري .. وموظفوها ما زالوا يمارسون طقوسهم الصباحية في تناول المخلل والحمص على طاولات أعدت للمثقفين .. والنشر هو هو .. كما خبرته .. والدواوين التي تغص بها مستودعات الوزارة وصلت الى عتبات الأبواب .. واستراتيجية الوزارة للسنوات العشر القادمة هي ذات الاستراتيجية .. أطمئنك ان «الثقافة « بخير وبركة والأمور «تمام التمام» .. أطمئنك أيضا ان زملاءك المقهورين من الشعراء والأدباء في طريقهم اليك .. فالذبحات الصدرية سيدة الموقف .. وانسداد الشرايين يفتك بالجميع .. والجلطات حدّث ولا حرج .. فأحسن استقبالهم .. واقرأ عليهم قصيدتك الجديدة التي لم تكتبها بعد .
يا صاحب الغياب .. وأنت الحاضر في دمنا .. كم نتذكرك في صباحات عمان «يا حنّه على حنّه» .
"الدستور"