ليست الحروب وعمليات الإحتلال أو الفوضى الأمنية والسياسية وأنتشار الفتن هي الطريق الوحيد لتفكيك الدول، بل هناك مسارات أخرى أقل صخباً لكنها أكثر تأثيراً، لأنها أشبه بما يسمى بإعلانات نعي الموتى «مرض عضال».
وليس بالضرورة أن تكون الغاية أن تختفي الدولة المستهدفة بالتفكيك السلمي أو غيره، بل البقاء مبعثرة فاقدة للبوصلة والهوية، تخرج من مشكلة إلى أخرى، العجز هو السمة العامة للأداء، ربما يسميها البعض دولة فاشلة لكن حالها أصعب من الفشل.
التفكيك السلمي يكون على أشكال منها أن يفقد المجتمع هويته فلا يعود المواطن يحمل إسم دولته بل يعرف نفسه بطائفة أو مذهب أو قومية أو حتى بمدينة أو محافظة، ثم تتطور هذه الحالة ليكون إرتباطه بميليشيا وتنظيم، فلا الدولة تعنيه، ولا هو جزء من الدولة إلا في الحد الأدنى مما تفرضه المعاملات الورقية.
التفكيك السلمي للدول يتم من خلال إضعاف مكانة المؤسسات المفصلية والدستورية وكسر هيبتها، وتحويلها إلى حالات تندر ونقد، أو تشويه صورتها إما من خلال الأستهداف أو استغلال لفساد من يديرونها أو ضعف أدائهم ووقوعهم في سقطات كبرى.
التفكيك السلمي يكون عندما تتحول مراكز القرار والمؤسسات في أي دولة إلى جزر لا رابط بينها إلا الشكليات، قد تكون المحاصصة السياسية أو الطائفية شكلاً من أشكال تحول كل مؤسسة إلى «مزرعة» لفئة، لكن صراع الأشخاص أو مصالحهم، ممن يديرون مفاصل أي دولة كفيل بإنتاج جزر معزولة، بل وتنشغل هذه الجزر بحرب كل منها للأخرى والضحية هي الدولة التي يصيبها الإستنزاف.
التفكيك (السلمي) للدول قد يكون أفضل لخصومها من التفكيك العنيف الذي يصاحبه دماء وضحايا وتحتاج إلى جيوش أو تنظيمات وأسلحة، ويكون صارخاً وقادراً على تحشيد أهل تلك الدولة ضده.
(الرأي)