تصعيد اللهجة الأردنية حيال ما يجري في الأقصى
د.رحيل الغرايبة
28-10-2014 03:40 AM
توافق تاريخ معاهدة وادي عربة هذا العام مع خطوات تصعيدية «اسرائيلية» غير مسبوقة في تكثيف الحصار على المسجد الأقصى، ومنع المصلين بشكل ممنهج من الوصول إليه وآداء صلاة الجمعة، وكان ذلك مصحوباً بالسماح لبعض الجماعات اليهودية من الدخول إلى حرم المسجد وممارسة شعائرهم الدينية داخل الأقصى بحماية الشرطة ورجال الأمن، والاعتداء على حرس المسجد وموظفي الاوقاف الاردنيين، وأصبح ذلك سياسة صهيونية يوميّة، وممارسة متكررة بشكل أسبوعي بل يومي تحمل مجموعة من المؤشرات الخطرة والدلالات المرعبة.
تظهر معالم هذه الخطورة في ظل العزم على تقديم مشروع قانون إلى الكنيست «الاسرائيلي» يقضي بإصباغ الشرعية على دخول اليهود الأقصى تحت ستار ديني وقانوني، من خلال الاقتراح الذي يقضي بتقسيم الأقصى بين المسلمين واليهود تقسيماً مكانياً وزمانياً، وهناك الحاح وضغط واضح من الأحزاب الدينية على الائتلاف الحاكم من أجل اتخاذ خطوات جدية في هذا السياق، ويبدو أن الحكومة «الاسرائيلية» تحاول ارضاء هذه الفئة صاحبة التأثير في القرار السياسي، وتحاول الاستثمار في الوضع العربي البائس الذي يعاني من الانشغال بنفسه ويعاني من الصراعات الداخلية التي أعطت العدو المحتل فرصة سانحة لتحقيق تقدم ملحوظ على صعيد مخططاته المرسومة في مجال تهويد الأرض والمقدسات.
خطوة التصعيد اليهودي حيال الأقصى كانت مصحوبةً بخطوة تصعيدية لا تقل خطورة عن سابقتها، من حيث ارتفاع وتيرة الاستيطان والاستيلاء على أرض أهلها الفلسطينيين ومصادرة ممتلكاتهم، وممارسة كل أنواع التضييق والبلطجة لتهجيرهم وبيع عقاراتهم وخاصة في القدس الشرقية، وتحويل حياتهم اليومية إلى جحيم، مما يفرض على الدول و الشعوب العربية والإسلامية السير بشكل جاد بمسار آخر مختلف عن كل ماهو متبع منذ عقود من السنوات ،ولا بد من اتخاذ انعطافة حادة على اسلوب التعامل مع هذا المنهج الاحتلالي الاستيطاني البشع.
اللهجة الأردنية الرسمية بدت تأخذ لوناً من ألوان التصعيد الملحوظ تجاه ما يجري في الأقصى وتجاه الارتفاع الملحوظ في وتيرة الاستيطان،ولكنها تحتاج المزيد، وصدرت تصريحات أردنية واضحة تجعل من هذه الأعمال خرقاً للمعاهدة، وتمثل اعتداءً صارخاً على المقدسات الإسلامية التي تتولى الدولة الأردنية رعايتها باتفاق جميع الأطراف، ومن المأمول أن تسير اللغة الأردنية عبر منحى تصعيدي حاسم يتناسب مع حجم الخطورة الذي تمثله هذه الانتهاكات الخطيرة التي تمس كرامة الأردن والعرب، وتمس كرامة كل المسلمين.
لقد سبق أن هدد الملك الراحل (حكومة اسرائيل) بإلغاء المعاهدة على إثر اعتداء رجال الموساد على رئيس المكتب السياسي لحماس السيد خالد مشعل في أحد شوارع عمان، عندما قال : ( المعاهدة في كفة، وإرسال الدواء لمعالجته في كفة) مما جعل «نتن ياهو» الذي كان رئيسا للحكومة وقتئذ أن يسارع بالاستجابة الفورية.
ومن هنا فإن التهديد بإلغاء المعاهدة مع الكيان الصهيوني نتيجة الخطوات العدوانية اتجاه الأقصى والاستمرار في سياسة الاستيطان يمثل خطوة بالاتجاه الصحيح،حيث ان هذا الحدث يشكل خطورة بالغة على مجمل الامة اضعافا مضاعفة مقارنة بالحدث السابق، مما يقتضي العمل على اعادة تقدير الموقف وفقا لحجم الخطورة واثرها الواسع، كما يقتضي من الدول العربي الأخرى التي ترتبط بالكيان (الاسرائيلي) بمعاهدات سلام، مثل مصر والسلطة الفلسطينية، أو الدول التي تقيم علاقات تجارية، أن تتخذ موقفاً جماعيا موّحداً يتجه نحو خطة تصعيدية قادرة على وضع حد لهذا العدوان المستمر على الانسان والأرض والمقدسات.
نحن لا نتحدث عن حرب وجيوش ومعارك، نحن نتحدث عن لغة دبلوماسية حاسمة تليق بكرامتنا، وأن نكف عن ثقافة الضعف ولغة الاستجداء، وأن ندرك حجم الغطرسة التي يمارسها العدو، وما تحويه من معاني الاستخفاف والإهانة، وما يؤدي ذلك إلى تعبئة شعبية مليئة بالسخط على كل ماهو قائم.
يجب أن نتحدث بالفم الملآن عن الإرهاب «الإسرائيلي» وعن التطرف اليهودي بالقدر الذي نتحدث فيه عن تطرف المجموعات الإسلامية، ويجب أن يتم توجيه الإعلام بطريقة ممنهجة نحو التركيز على كل أنواع التطرف والإرهاب في كل أشكاله وتجلياته؛ حيث أنه لا يعرف ديناً محدداً ولا يقتصر على جهة معينة، كما يريد الإعلام الغربي والصهيوني أن يخلق انطباعات خطيرة لدى العالم بأن الارهاب والتطرف سمة إسلامية وعربية خالصة، والإعلام العربي يسير بالخط نفسه ببلاهة وغباء منقطع النظير.
(الدستور)