بالرغم من قصر مدة زيارة رئيس الوزراء العراقي الجديد، حيدر العبادي، إلى الأردن، إلاّ أنّها حظيت باهتمام سياسي وإعلامي كبير، محلياً وعربياً.
الجانب الأهم في الزيارة، وفقاً للصديق والمحلل السياسي العراقي د. حيدر سعيد، هو "الرمزي". إذ حرص رئيس الوزراء العراقي الجديد على أن يسارع للقدوم إلى الأردن بعد زيارته طهران بوقت قليل، ليبعث برسالة مهمة تؤكد حرصه على التقارب مع الأوساط العربية الرسمية والمحيط العربي، وعلى عدم الاقتصار على تحسين العلاقات مع النظام الإيراني فقط.
بالإضافة إلى هذا البعد، ثمّة موضوعات على قدر كبير من الأهمية تمّ تناولها بين المسؤولين الأردنيين والعبادي، في مقدمتها التحالف الدولي والإقليمي في مواجهة تنظيم "داعش"، والتعاون الأمني والاستخباراتي بين الدولتين لمواجهته، بخاصة بعدما حققه التنظيم من انتصارات عسكرية كبيرة في محافظة الأنبار، فأصبح قريباً من الحدود الأردنية، ويسيطر على أجزاء من الطريق الدولي الحيوي الواصل بين البلدين.
اللقاءات المهمة جرت مع مسؤولي المؤسسات السيادية، وفيها طلب العبادي من الأردن تقييماً لنفوذ "داعش" في الأنبار، وعوامل قوته وضعفه. وهو ما قدمه الأردن للضيف، كما نقل مسؤول عراقي رفيع (لموقع "الجزيرة نت")، من دون أن يتم الكشف عمّا جاء في هذا التقرير السرّي.
في اللقاء، أيضاً، تناقش الطرفان بشأن تدريب الأردن لأبناء العشائر العراقية. والمقصود هنا، على الأغلب، من سينضمون إلى "الحرس الوطني" الذي تمّ الإعلان عنه مؤخراً، وهو بمثابة خطّة أميركية (في الأصل) تحاكي مشروع الصحوات (الذي قدّمه سابقاً الجنرال الأميركي ديفيد بيترايوس) وحقق فاعلية كبيرة (2007-2009) في تحجيم تنظيم "الدولة" وانقلاب الحاضنة السنية عليه؛ فهو أقرب إلى التكوين السنّي من الشيعي الذي يهيمن على الأجهزة العسكرية والأمنية.
وربما الحديث عن "الحرس الوطني" ينقلنا إلى بيت القصيد في زيارة العبادي، بخاصة أنّه التقى عدداً من الشخصيات العراقية العشائرية ورجال أعمال، بهدف تعزيز هذه الفكرة؛ أي بناء "الحرس الوطني" لمواجهة "داعش". وهي الفكرة التي تحظى بقبول من قيادات جماعة الإخوان المسلمين والحزب الإسلامي العراقي أيضاً.
هناك مشكلات كبيرة تنبع من جوهر فكرة "الحرس الوطني" نفسها، وتتمثّل في أنّها (الفكرة) تكرّس الحالة الطائفية في العراق، وتطيّف القوات المسلحة والأمنية بين السُنّة والشيعة. وهي مقدّمة، كما وعد العبادي مسؤولين سُنّة، لمنح المجتمع السُنّي قدرا كبيرا من اللا-مركزية في محافظات متعددة؛ ما يعني تفكيك العراق، عملياً، بين ثلاثة كيانات واقعية: الشيعة والأكراد والسُنّة.
ذلك على فرض أنّ هذه "الصفقة" الجديدة ستحظى بقبول سُنّي عراقي واسع؛ فهذا أيضاً، بحدّ ذاته، تقع بعده علامة استفهام عريضة. إذ هناك شكوك بشأن مدى نفوذ وتأثير الشخصيات السُنّية التي التقى بها العبادي في الأردن، أو حتى القوى السياسية التي يتفاوض معها، على المجتمع السني، الذي وإن كانت أغلبيته، بطبيعة الحال والمنطق، ليست سعيدة بقوة "داعش" وهيمنته، إلا أنّها في الوقت نفسه لا ترغب في تكرار تجربة الصحوات، التي لم تجلب للسُنّة إلا مزيداً من الضعف والإقصاء والتهميش، قبل أن تتحول موازين القوى مؤخراً بعد صعود "داعش"، وهذه هي المفارقة الرئيسة!
ما يزال الحديث عن الأزمة السُنّية في العراق ذا طبيعة اختزالية سطحية. وحتى لو أُضعف "داعش" عسكرياً، وتم الالتفاف عليه، عبر المجتمع السني، كما حدث قبل سنوات، فإنّ الطبائع الطائفية للنظام العراقي والنفوذ الإيراني هناك، سيؤديان إلى استمرار الأزمة الراهنة وما يتولد عنها، سواء كان "داعشاً" وحرباً أهلية، أو تقسيماً عملياً.
(الغد)