الزيود: السلام عليك يا حبيب .. في ذكرى حضورك لا في ذكرى غيابك
27-10-2014 01:55 PM
السلام عليك يا حبيب و أنت اليوم تنام ملء جفنيك تحت سنديانة في العالوك التي أحببت و عشت في ظلها وكنت تأوي إلى بيتك المزروع على ترابها بعدما يتعبك الترحال بين العالوك و عمان توأم الروح لديك... تنام بعدما أرحت ضميرك وأوفيت للوطن الذي تحب حتى توقف قلبك ولم يعد يحتمل هذا الحب...عامان يمران، وكأنها البارحة والناس نيام يستقبلون خبر الموت الذي خطفك ذات صباح معتم بين ناف أو غير مصدق... لم نعرف أن سنين عمرك قصيرة كعمر الريحان..
ما زلت أذكرك وأنت الفتى النحيل و «فيك سمرة تغوي البنات «–كصايل الذي رثيته يوماً- بقلب مشبع بحب التراب و الوطن.. متمرداً حاملا نايك مغردا طافحا بشعرية متدفقة.. باحثا عن مفردة وكلمة بسيطة تترجم أحاسيس الأردنيين للوطن الذي تحب حتى توقف قلبك ولم يعد يحتمل هذا الحب...عامان يمران... لم نعرف أن أعوام عمرك نحو التراب والشجر و الإنسان... متشربا موروثا أردنيا من آلاف السنين اختصرته بأشعارك وقصائدك و أغانيك... فكنت دون غيرك تفور بشاعرية عفوية تنساب كماء العين الهادئ الذي لا ينضب... نشم من روح قصائدك رائحة القمح والتراب والقهوة والهيل وتأخذنا إلى حوران والعالوك وعمان.. ونسمع حمحمات الخيل وصهيل الأصايل في منازل أهلك، و حيث تعاليل الفرسان في مضافة أبيك على إيقاع المهباش وصوت الربابة ، تأخذنا كلماتك إلى قامات السنديان حيث تعلقت روحك الخضراء بكل جميل وبسيط حيث الحرية التي لا يحتويها مكان و لا تروضها امرأة.. فكنت الراعي و كان نايك يتبع قلبك إليك...
عامان يمرانّ.. وكنت تعد الأيام و الثواني وأنت تسابق الزمن وتقارع سيوف الحاسدين وتزهد بالمناصب وتفتح ذراعيك لمن ظلمك.. فما أوفوك لكنك بقيت الوفي للوطن وللشعر و لنايك الحزين الذي لم يسكن حتى آخر نفس لفظته... جعلت للشعر الأردني هويته وأعدت صياغة وجدان الأردنيين المرتبط بالبوادي و القرى وحكاياتها وشعرها وألقها وبساطتها..
قلبك يا حبيب هو البوصلة فما كذبك يوما و قلبك أخضر كقلوب الأردنيين المتكئ على نماذج في الوجدان الأردني المضّمخ بحب الشهادة والبطولة فغنيت لنمر العدوان و لصايل الشهوان ولحابس المجالي ولوصفي التل ولفراس العجلوني ورثيت هؤلاء الأبطال كقامات وطنية ذابت في وجدان الأردنيين..
كان هاجسك الهوية وأن تنطق بشفاه الصامتين وتعب البسطاء و الآم المهمشين... وأن تغني بمفردة وكلمة سهلة ولغة جميلة طوعتها لذاتك، فتغنيت بالفلاحين والجنود و الشهداء و العشاق والفرسان فهم الشعب وهم أبناء الأرض وما كانوا كما قلت يوما إلا طيّة من طيات هذه الارض...
والشعر هاجسك وكذلك سيفك وملاذك.. وأنت الذي تحمل روحاً غضّة تحلّق عاليا... اخضرا نديا كقمح بلادي كلما اشتدت الشمس وهجا زاد اخضرارا....
أما العالوك التي هويت والآن أنت بين طياتها فهي الوحيدة التي أوفت لك فعلى ربوة هناك تركناك نائما محتضن التراب... المطر بلل وجهك الأخضر فنبتت سنديانة تظللك... والدحنون أزهر على وجنتيك... هناك غفيت يا حبيب بالقرب من زيتونة، لملمت آخر أوراقك وقصيدة لم تكتمل بعد وبعضا من سجائرك.... هناك غفوت يا «حبيب « حضنت التراب و أخذت شهقة من هواء العالوك وكتمتها... ونمت بسلام.... أراك مفترشا بساطا من الدحنون تحمل نايك مغردا... فيا غيم العالوك يا مارا بروح حبيب... أقرئه السلام من قلوب أتعبها الغياب...
فيا حبيـــــــب يا ابنَ الــــترابِ ودمي بعضٌ من نســـيجِ دَمــك
محمد عبدالكريم الزيود