كمال رشيد .. ويرحل شاعر وتربوي وإعلامي
ياسر ابوهلاله
29-03-2008 03:00 AM
يحتاج "المستشرقون" الذين صاروا "خبراء في الحركة الإسلامية إلى عمل بيوغرافي لرجالات الحركة حتى يتمكنوا من فهم نشأتها وتطورها. اليوم يشيّع في عمان الدكتور كمال رشيد، وهو واحد ممن يمكن اعتبارهم الجيل الثاني للحركة بعد الجيل الأول المؤسس.
كان المؤسسون مثل عبداللطيف أبو قورة ومحمد عبدالرحمن خليفة وأحمد الطراونة ويوسف العظم وفريز جرار .. يمثلون طبقة اجتماعية محترمة من تجار ومتعلمين وشيوخ تمثل واجهة الناس في الضفتين تلك الأيام. جاء الجيل الثاني ومنه كمال رشيد تعبيرا عن الطبقة الوسطى التي أخذت بالتشكل اعتمادا على التعليم والوظيفة بالدرجة الأولى.
في قرية الخيرية إحدى ضواحي يافا ولد كمال رشيد رحمه الله عام 1941، عاش النكبة صغيرا والنكسة يافعا"، وارتحل كمال مع أسرته إلى قرية "بدْيا" بمنطقة نابلس، ودرس بمدرسة بدْيا من الصف الأول الابتدائي حتى الصف السّابع.
ولما ضاقت بهم الحياة لقلّة الموارد هاجرت الأسرة إلى مدينة نابلس، وسكنت مخيم عين الماء (1956 – 1967م). ودرس كمال المرحلة الثانوية في مدرسة الجاحظ، وتخرّج فيها .. وفي تلك الفترة اتصل بالحركة الإسلامية في نابلس وشارك في نشاط طلابها".
ومع أنه بدأ العمل معلماً في مدارس مدينة طولكرم، إلا ان طموحه للعلم دفعه لمواصلة الدراسة الجامعية، فدرس في كلية الآداب بجامعة دمشق ووجد في التعليم سبيلا لمواجهة مشاق الحياة وعلى رأسها الاحتلال. لا تزال صورته عالقة في أطياف الطفولة، كانوا "أسرة إخوانية" تجتمع عند الوالد، منهم كمال رشيد والدكتور عبدالسلام العبادي وزير الأوقاف السابق. لم يكن الإخوان مجموعة ساخطين يريدون قلب الأوضاع. كانوا جغرافيا (جبل الحسين) ووظيفيا من أبناء الطبقة الوسطى. لديهم رؤى فكرية تعتمد الإسلام هوية ومرجعية وأساسا للإصلاح.
بعدها، عرفت أبا بلال شاعرا من خلال ديوانه "شدو الغرباء" وفيه تجد أشواق الغريب عن وطنه المحتل وتتلمس غربة الإنسان العربي المسلم في عالم يضيق به. على خلاف الشعراء الإسلاميين الذين ظلوا يحافظون على التقليدية في الشعر، كنت تجد شعرا حديثا في ديوانه شكلا ومضمونا، في وداعه تحضر أسطورة سيطرة الإسلاميين على وزارة التربية. فلم يكن كمال رشيد في الشارع وأحضر لعمل مناهج، بل كان ابن التربية والتعليم ورحل عن 26 مؤلفا بين شعر وأدب ونحو وكتب أطفال.
عملت معه في صحيفة "الرباط " التي كان رئيس تحريرها. في تلك الفترة لم يكن ثمة إسلاميون في الصحافة. وجاء للإعلام من بوابة الأدب ، وبعقله المنفتح وصبره وسعة صدره تمكن من تأسيس نواة للصحافة في التيار الإسلامي تبلور لاحقا في صحيفة السبيل. كانت الحركة الإسلامية في أوج حضورها الشعبي لكنها لم يكن لديها صحافة. على خلاف القوى اليسارية والقومية التي كانت تمتلك نفوذا صحافيا من دون جماهيرية.
رحل عنا شاعر وتربوي وإعلامي، تاركا وراءه إرثا لا ينقطع وذرية صالحة وأجيالا تربت على يديه. رحمك الله يا أبا بلال.
abuhilala@yahoo.com
عن الغد.