من أطرف التعليقات التي سمعتها عما يجري في العالم العربي من نزاعات طائفية وتآكل وطني وانتحار أهلي، هو أن أفلام الأكشن السينمائية أصبحت عرضة للكساد لأن ما يبث على الهواء وباللحم الحي والدم الساخن ينوب بامتياز عن كل أفلام العنف والأكشن، وكذلك لم يعد للمسلسلات معنى فالدراما الآن هي واقعية وتبث عبر كل الشاشات على مدار الساعة.
إن ذبح البشر بالسكين المشحوذ على إيديولوجيا أقسى من الفولاذ وإلقاء الأطفال من سطوح البنايات الشاهقة واغتصاب الأطفال وبيع الفتيات الصغيرات في سوق الرقيق وزواج الجهاد السفاحي هي مشاهد من أفلام الأكشن المثيرة وحين أصدر الكاتب الفرنسي قبل عقود بياناً عما سماه مسرح القسوة لم يخطر ببال على الإطلاق أن العالم في مطالع الألفية الثالثة سيشهد كل هذا. لهذا اقترح أيضاً أن يغير مصطلح السادية الذي ينسب إلى المركيز دو ساد الذي كان يتلذذ بالتعذيب، فهو بالمقارنة مع البرابرة الجدد متواضع.
إن ما يحدث الآن ونشاهده حتى في غرف نومنا كان ذات يوم محظوراً حتى في أفلام الخيال والرعب، والتحذير الذي كنا نقرأه على الشاشات وهو منع الأطفال دون الثانية عشرة من مشاهدة فلم، يصبح ترفاً وأقرب إلى الرفاهية إذا قورن بما يشاهده الأطفال الآن على الفضائيات أو الإنترنت، فالدم أصبح أوفر من عصير الرمان، ولحم الخروف البلدي أغلى من لحم أسرة بكامل أفرادها، أما الموت فهو الآن يثرثر بلغة عربية وبمختلف لهجات العرب وقبائلهم!
ما نخشاه أكثر من كل هذه الفضائع والفضائح الفادحة هو أن تصبح بمرور الوقت وتكرارها مشاهد مألوفة ويصبح من يرى رجلين مقتولين على رصيف، يركلهما بقدمه كي يمر وتصيح امرأة عربية مستغيثة بالمعتصم فيدل جنود الاحتلال عليها ويعطيهم عنوان بينها كي يغتصبوها ويقصفوا البيت على من فيه!
إن الأخطر من كل ما نرى ونسمع هو التعود والتأقلم بحيث لم يعد هناك ما يدهش أو يصيب بالقشعريرة، وما قاله الروسي ديستونيسكي وهو إذا لم يكن الحق موجوداً فكل شيء مباح تحقق لكن في صحارى العرب وليس في سيبريا! وما تنبأ به أورويل عن أسوأ ديستوبيا في التاريخ وهي المدينة الراذلة تحقق أيضاً لكن ليس في بريطانيا أو روسيا أو كوكب الزهرة، بل في هذه الجغرافيا الجحيمية التي كانت ذات يوم رسولية.
بعد الآن لا ضرورة لأفلام الرعب والأكشن أو المصارعة الحرة المتوحشة أو روايات اجاتا كريستي وكل ما له صلة بالخيال، فالواقع تجاوز كل ذلك وأصبح الخيال قاصراً عن بلوغه!
(الدستور)