قريبا سيكون لكل دولة في الإقليم منطقة عازلة تفصلها عن الجيران. الحدود الطبيعية والمصطنعة لم تعد كافية لتأمين الحماية للدول. وإذ تعذر إقامة منطقة عازلة، فالبديل سياج يلف الحدود.
تركيا تلح بطلب إنشاء منطقة عازلة أو آمنة على الحدود مع سورية. وإن نجحت تركيا في مسعاها، فقد يتشجع الأردن ويقيم منطقة مشابهة على حدوده الشمالية. في الحالتين، ستقضم المناطق العازلة جزءا من الأراضي السورية، ولا نعلم متى تعود تلك الأراضي لسورية من جديد؛ هذا على فرض أن تبقى سورية كيانا موحدا.
على الحدود مع إسرائيل، ثمة منطقة عازلة أساسا في الجولان. اليوم تكتسب أهمية استثنائية لإسرائيل، وفي نية حكومة نتنياهو توسيع المنطقة، وفرض وجود عسكري إسرائيلي فيها، خاصة بعد مغادرة قوات المراقبة الأممية.
في قلب فلسطين، أقامت إسرائيل منذ زمن منطقة عازلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي بصدد توسيعها بدعوى حماية أمن المستوطنات المحاذية للقطاع.
وإسرائيل المسكونة بالهاجس الأمني، رصدت المخصصات اللازمة لإنشاء سياج أمني على طول الحدود مع الأردن، وآخر على حدودها مع سيناء.
على الجهة المقابلة، وفي سيناء أيضا، تتجه مصر لإقامة منطقة عازلة مع قطاع غزة. تأكد هذا التوجه رسميا بعد الهجوم الإرهابي الأخير على مفرزة للجيش المصري في "الشيخ زويد"، والذي راح ضحيته أكثر من ثلاثين جنديا مصريا.
السعودية القلقة من تنامي الجماعات المتطرفة في العراق، شيدت سياجا أمنيا إلكترونيا على طول حدودها هناك، كلف مئات ملايين الدولارات، وهي بصدد التوسع في المشروع ليشمل وجهاتها الحدودية كافة.
بين الأردن والعراق منطقة عازلة "الحرام" بعرض كيلو مترين تقريبا، ومثلها للعراق مع الكويت. معازل قديمة، لكنها تكتسب اليوم أهمية خاصة، ويعوّل عليها كخط دفاع أولي عند الضرورة.
على مستوى ضيق، كما الحال على حدود إقليم كردستان مع مدن العراق، نشأت بحكم الأمر الواقع منطقة عازلة على تخوم أربيل لإيواء اللاجئين الفارين من شرور "داعش".
انهيار المنظومة الأمنية لعديد الدول في المنطقة، والخوف المشروع من تمدد الجماعات المتطرفة، يدفعان بالأنظمة إلى تبني خيارات استثنائية. بيد أنها، وعلى المدى البعيد، تؤسس لواقع جيوسياسي مختلف، وتهدد بنزاعات حدودية جديدة.
الأهم من ذلك أن سياسة المناطق العازلة التي تلف المنطقة تعني، من بين أمور كثيرة، استمرار حالة عدم الاستقرار إلى أمد طويل.
لم تعد دول المنطقة مهددة بالتفكك إلى دويلات ومحليات صغيرة فقط؛ بل كذلك نشوء مناطق فارغة من مظاهر السلطة المعروفة للدول. ومناطق من هذا النوع تصبح في العادة ملاذات آمنة للعصابات وتجار المخدرات والمتطرفين، وسكانها مجرد لاجئين يفتقرون لمقومات المواطنة والهوية.
وإذ لم تكتب نهاية لأزمات الإقليم في وقت قريب، فإن دولا بحالها ستتحول إلى مجرد مناطق عازلة، تخضع كل واحدة منها لسلطة مختلفة عن الأخرى، وفي بعض الأحيان تدار عبر طائرات من السماء، وبإشراف دولي.
هل يمكن تخيل خريطة المنطقة بعد سنوات؟ مرعبة بحق؛ "كانتونات" متناثرة، ومناطق عازلة تلغي حدود السيادة.
(الغد)