facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الفاقة طريق معبدة للجريمة في ظل عولمة الغلاء


29-03-2008 03:00 AM

خرجت موجات الغلاء الأخيرة عن نطاق السيطرة وتجاوزت كل التوقعات، ونتيجة لذلك لم يعد المواطنين من متوسطي ومحدودي الدخل قادرين على تلبية جلّ احتياجاتهم الأساسية. فاستجابة للسياسات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي، آلة التدمير المبرمجة لاقتصاديات الشعوب الكادحة، تبنت حكومات الدول النامية برامج رفع الدعم وتحرير الأسعار دون تحفظ، فتوحش الغلاء وغرس أنيابه في أسعار جميع السلع الأساسية والضرورية لاستمرار الحياة، وتخطّاها إلى الخدمات الحيوية الأخرى مثل إيجارات المساكن وأثمان العلاج والتعليم والمواصلات وغيرها.

الإنسان كائن واقعي وحقيقي، يتحدد معنى وجوده من خلال عمله وتحقيق ذاته في الصيرورة التاريخية. ومنذ الأزل يعكف الناس على إنتاج وسائل بقائهم كخطوة مشروطة بتنظيمهم المادي. فالإنسان يتطور في منظومة مجتمعه، لكنه يسعى دائماً للانعتاق من القوى الإجتماعية التي تقيده، وعملية انعتاقه واعية، والتغيير الإجتماعي يكون مبنيا على هذا الوعي وهذه الصيرورة التاريخية. وفي مجتمعاتنا البرجوازية المعاصرة يبحث الإنسان عن ملاذ، يحاول الهرب من الحرية، ويبحث عن الأمان في أحضان بيروقراطية الدولة أو الهياكل التنظيمية للشركات الكبرى الجشعة، وعندما يصبح غير قادر على التطور في منظومة مجتمعه، فانه يسعى للانعتاق، الانعتاق من أغلال القوى الاجتماعية التي تكبله، وتكسير علاقات الإنتاج القديمة لتكوين علاقات جديدة تناسب تطور قوى الإنتاج، وهذا التطور الإيجابي والحتمي لا يكون طوعياً وإنما هو تغير واعٍ وعنيف وثوري.

ومن نفس المنظور الاجتماعي، فمعتنق الجريمة يسعى لتحقيق ذاته وتحرير طاقته، لكن عملية انعتاقه غير واعية، واحتجاجه متشرب بالحقد لا بالإيمان، ورغم ذلك تقدّم الجريمة المعاصرة نقداً واقعيّاً قاسياً لكل الحلول الاقتصادية المطروحة، لكنها في المقابل لاتحاول تقديم رؤى موضوعية للمشكلة الاقتصادية، بل تتحول الى جزء أصيل منها وملازم لها. وهي بالتالي أشبه بمنظومة معادية للغلاء و"ثورة مشوّهة" تنمو في رحم الظلم الطبقي. وبكلمات أخرى فالنشاط الجرمي يمثّل حركة تقف في وجه عملية التشويه، تشويه إنسانية الإنسان وتحوّله إلى آلة. لكنها حركة مشوهة بذاتها وغير واعية، وهي ضحية لاغتراب الإنسان وضياعه عن نفسه وانسلاخه عن مجتمعه وانتمائه، وهي في المجمل ردة فعل لسُعار الغلاء القاسي ووطأة الحاجة، لكنها ليست فعل واع يمكنه التغيير، فالتغيير يحتاج إلى توافر ظروف موضوعية ووعي نخبوي وعمل جماعي منظّم.

والميل الجرمي يعيش داخل كل نفس إنسانية، وهو لا يتمدد داخل النفس إذا لم يلق التشجيع والإثابة من بيئة الإنسان، فالعنف يتجاوز المقاييس والمعايير الذاتية حتى يعبر الخطوط الحمراء داخل النفس الإنسانية، وبمعنى أدق، ينتفض العنف الجرمي ضد القيم الأبوية وقيم الحنان الأمومي والانتماء للعائلة والأخلاق والدين، ويتجاوزها، ليكسّر القيود الممنوعة وصولاً إلى "الانعتاق الجرمي". والعنف الوليد داخل النزوع النفسي يجد صداه في البيئة الملائمة فينمو ويكبر.

إن تقييمنا لوعي المجرم ينبغي أن ينطلق من دراسة تناقضات حياته المادية، أي قدرته على تلبية حاجاته في ظل عالم متغير. والتقييم يقودنا إلى حقيقة مفادها أن ذات المجرم محكومة بالانطفاء المادي والروحي لعجزه عن توفير حاجاته في صيرورة صراعه الوجودي.

ونظراً لعجز المجرم عن التكيّف مع موجات الغلاء المتتابعة وصولاً إلى تحرير الأسعار، وعدم ثقته بالدولة أو بمؤسسات المجتمع المدني أو بأبناء شعبه، وبالتالي عجزه الدائم عن إعادة بناء ذاته ضمن كلّيته الانسانية وتمكينها من إيجاد الوحدة والتوافق مع أقرانه من البشر ومع الطبيعة، فإنه سوف يتجه إلى الجريمة رغبةً في البقاء ونزوعاً للتمرد على القيود التي تكبّله ومحاولةً منه لخلق فوضى تعيد إلى نفسه الثكلى شيء من التوازن المادي والروحي المؤقت.

وبمحاولة استقراء ما سيطرأ على السمات الجرميّة من تطور، وفقاً لما تفرضه عولمة الغلاء والفاقة، يمكننا الوقوف على عدد من السمات الخطيرة منها: ستتّسم جرائم المرحلة الجديدة بالجرأة والتحدي، لإحساس المجرمين بأنه لا يوجد ما يخسرونه إن هم أخفقوا، وأن حياتهم لا تساوي الكثير. وسيتوسّلوا العنف، حتى لغصب أبسط الغنائم، لأن المجرم يعتقد أن ضحيته هي جزء من الآخر الظالم وليس جزء من ذاته المعذبة. كما سيطوّر المجرمون إمكاناتهم العلمية ويستعينوا بالتقنية لتنفيذ جرائم ذكية تتحدى أجهزة الأمن العام، وستظهر الجريمة المنظمة، حيث يتّحد عدد من أرباب ذات النشاط الإجرامي الذين التقت مصالحهم في مجموعات أكبر، ليكونوا أكثر تنتظيماً وقوةً وقدرةً على الوصول إلى مآربهم الجرمية. إلى ذلك، سوف تزداد الجرائم التي تمثل تحدِّ للأخلاق والدين، مثل الدعارة والإعتداءات الجنسية وتحقير المقدسات، ومرد ذلك تشّوه الذات والانتماء. وأخيراً وليس آخراً ستزداد حالات الانتحار كسبب للخسارة الروحية والمادية، وكحل أخير لإنهاء الصراع.

ترى هل يمكن محاربة الجريمة بوليسياً بمعزل عن محاربة الجذور الاقتصادية والاجتماعية للجريمة؟! إطلاقا لا، لأن الحاجة والأزمة النفسية لا تنتهي إلا بزوال أسبابها الطبقيّة. لذا يجب معارضة الأفكار والفلسفات المجردة غير المتجذّرة في الحقيقة الإنسانية، ويجب ترسيخ الإيمان بأن الحل يمر، فقط، عبر حل التناقض بين الانسان والطبيعة، وبين الانسان والانسان، في تطور الصيرورة التاريخية. إن حل المشكلة لا يبنى إلا على منهجية علمية فاعلة قادرة على تحرير الطاقة العمليّة للإنسان وتلبية حاجاته.


ماجستير في قانون الاقتصاد الدولي/بريطانيا

sociolegaloffice@yahoo.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :