كل عام وأنتم بخير ..
لا يطيب لنا أن نتحدث في اليوم الأول من العام الهجري الجديد عن جريمة بشعة تهز مشاعر المواطنين ، وتصبح حديث الرأي العام ،كما حدث أمس في «جريمة طبربور» حيث الأم تنسلخ عن أمومتها وإنسانيتها، فتفتك بثلاثة من فلذات كبدها ، وتهرب الشقيقتان الأكبر لطلب النجدة ، الذين تمكنوا من منع الأم الجانية الفتك بنفسها ، في مأساة جديدة تسجل في سجلات الجرائم الأسرية التي باتت تقض مضاجع العقلاء والإجتماعيين والمواطنين الذين يستذكرون كم كان مجتمعنا أليفا متآلفا عنوانه الحياء والطيبة والتكاتف والفزعة الطيبة ، ولكن قبل شتم الجاني هلا بحثنا عن السبب ؟!
ولعل هناك من يصف المجرم الذي يقتل أبنا أو بنتا أو أحد أفراد أسرته بالوحش والذئب والحيوان ، ولكن هل هناك من أحد رأى أو سمع عن ذئب أو حيوان فتك بأحد صغاره ، بالتأكيد لا ، ولكننا نحن البشر تجاوزنا في جرائمنا العامة والخاصة كل حدود المنطق ، فنجد أن الأم تقتل أطفالها الأبرياء الضعفاء لأسباب نفسية ، والزوج يقتل زوجته لإنحطاط قيم الرجولة والشك و الإستماع الى نمائم الناس ، والأخ يقتل شقيقته لشكه في سلوكها أو معلومات عن خروجها عن الخط العام للأخلاق الحميدة ، ثم يخرج علينا الجميع وكأنهم أبطال قاتلوا في ساحات المعارك مع الأعداء ودافعوا عن «شرف الأمة» ومقدساتها ومقدراتها وثرواتها ، واستشهدوا في سبيل الله ، والله بريء من كل ما اقترفت أيدي أولئك المجرمين
من هنا يبدو لنا وللأسف أن أسهل حل بات في متناول أيدي كثير من العقلاء المجانين والمرضى العاجزين نفسيا والزعران وأسافل المجتمع الأسري هو القتل ، وكأن الحياة هي ملك للقاتل أو محل تفاوض على طاولة النقاشات الغبية والحلول الفاشلة ،في مجتمع تصاعدت فيه القيم المادية وامتلأ بالفراغ الروحي والبعد عن الله والقيم الإنسانية ، وأضحى التنافس بما تستطيع أن تمتلكه من سقط المتاع وعرض الدنيا من مال وأملاك لا كيف تتملكه ، فلم يعد هناك حدود ولا خطوط حمراء بين الحلال والحرام ، و الصحيح والخطأ
لذلك يجب أن تتغير منهجية البحث في موضوع الجريمة، ليس بما يتعلق بالجاني، بل فيما يتعلق بالأسرة المجني عليها ، فرب الأسرة الذي يرتكب أي جريمة أو يقع في مشكلة مالية ثم يسجن ، لا يفهم أنه إرتكب جريمة بحق بيته وأسرته ،وحتى الإنسان الطبيعي الذي تضطره الظروف التعرض للسجن فإن أهل بيته يقعون في دائرة الخطر ، فمن يسجن لسنوات وخلفه أطفال سيخرج وهم في مقتبل العمر ، وقد يكونون تجاوزوا مراحل التربية ، فمنهم المجرم وسيء السلوك إلا من رحم الله ووجد من يرعاه
إن أكثر الجرائم والمصائب التي تعاني منها الأسر مردها في المقام الأول الى رب الأسرة، الذي لا يريد أن يغير من حياته ومنطقه بعد الزواج وتكوين الأسرة ووجود الأطفال عما كان عليه قبل الزواج ، فكثير من الرجال باتوا يهربون من بيوتهم بحثا عن ملذاتهم أو هروبا من مسؤولياتهم ، أو بحثا عن المال الذي يريدون الحصول عليه بأي طريقة فلا فرق عندهم بين حرام وحلال أو بين النصب والإحتيال والإبتزاز والسرقة وما بين المال الحلال المبارك ، ولكل ذلك تأثيراته على الأسرة والأولاد والتنشئة الأسرية .
الجريمة التي وقعت أمس يستطيع أي شخص عادي أن يعطيك تعليلها بناء على تفاصيل الخبر «الزوج في السجن» ولكن هل يعلم كثير من الناس أن هناك دولا أقرت قوانين وأنظمة تتعلق بحقوق السجناء وأسرهم ، فلنتخيل لو أن عندنا مؤسسات تعنى بأسر السجناء ، وتدرس وضعهم الإجتماعي والمادي واحتياجاتهم ،خصوصا ممن يعيلون أطفالا ينقطع عنهم مورد المال والإعاشة والإحتياجات الغذائية والتعليمية والرعاية الأبوية والإجتماعية، يمكن حينها تلافي وقوع مأساة كجريمة أمس.
لذلك من الواجب دراسة هذا الموضوع من قبل الجهات المسؤولة الحكومية منها والخاصة والعمل على إيجاد هيئة تعنى بأسر السجناء على غرار حماية الأسرة ، فكل رب أسرة معرض للسجن لأي سبب ، ولكن من يعنى بأطفاله ، أم تحسبون أن جريمة طبربور جاءت عبثا ومرضا نفسيا طارئا؟!
"الراي"
Royal430@hotmail.com