إعلام إسرائيلي بلا وكالة أنباء .. ما هو المغزى؟
د.حسام العتوم
25-10-2014 03:19 PM
لم تعرف إسرائيل وجود وكالة للأنباء قبل عام 1950 أي بعد عامين على تأسيس دولتها وكيانها غير الشرعي على أرض فلسطين بقوة السلاح عام 1948، وأطلقت عليها آنذاك اسم (عيتيم) – سوفونوت هتاعانوت يسرايليت، ثم عادة وأغلقتها لأسباب غامضة عام 2006 وأشاعت بأن السبب الظاهر يكمن في عجزها عن مواكبة ثورة تكنولوجيا المعلومات الحديثة وهو الأمر الذي اشكك به شخصياً، وسبق لها أن ألغت وزارة الإعلام عام 1976 لكي تنتقل إدارياً من المركزية والعمل التقليدي إلى اللامركزية والانفتاح على مجتمعها الداخلي وعلى العالم الخارجي بنفس الوقت، وفي عام 2009 عادت وشكلت وزارة للإعلام والشتات برئاسة الوزير يولي اولشتاين في عهد حكومة بنيامين نتنياهو التي ما زالت عاملة إلى يومنا هذا، والمعروف عالمياً بأن وكالة الأنباء NEWS AGENCY مؤسسة صحفية وإعلامية خدمية إخبارية هامة قادرة على تغذية كافة وسائل الإعلام بكل ما يلزم من مواد مطبوعة ومتلفزة ومصورة بسرعة فائقة وتعود وتعتمد على هذه الوسائل من جديد لتزويد ذاتها وكافة خطوط ارتباطها بإعلام الداخل الإسرائيلي.
المعنى هنا من غياب وكالة الأنباء الإسرائيلية وبحكم أن الصهيونية اليوم تحاول أن تكون حاكمة العالم في ظل محاولة القطب الواحد الأمريكي الاستمرار في السيطرة على إعلام واقتصاد وعسكرة العالم وإلغاء نظرية وواقع عالم متعدد الأقطاب الذي تقوده الفدرالية الروسية بنجاح وكما اعتقد هو قدرة المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية على العمل والتغذية الذاتية الإخبارية والمعلوماتية والفنية من دون الاعتماد على مصدر واحد رسمي مثل الوكالة، وللعزوف عن احتكارها لمصدر الإخبار والقدرة أيضاً على اختراق مؤسسات إعلامية عربية وأجنبية بواسطة المال الأسود وبطرق ملتوية استخبارية وسياسية عديدة، واليوم نجد بأن أهم الصروح المالية والصحفية والإعلامية على خارطة العالم قادتها من اليهود ذو العلاقة المباشرة مع الصهيونية ونظامها الأمني السري، فشركة Time Warner الإعلامية يرأس مجلس إدارتها حالياً الملياردير اليهودي جيفري بيكس، وهي تشرف على أعمال شبكة الـ CNN التلفزيونية الإخبارية، وشركة News Corporation الإعلامية يقودها الملياردير اليهودي الاسترالي روبرت مردوخ، وشركة CBS الإعلامية التي يديرها اليهودي سامتر ريدستون، وشركة Viacom الإعلامية يدير أعمالها أيضاً اليهودي سامنر ريدنستون، وشركة كومكاست التي تمتلك شبكة NBC التلفزيونية الشهيرة وتعتبر أكبر مزود انترنت في العالم ... الخ.
كنت دائماً أعتقد أن وكالة الأنباء حاجة اتصالية إنسانية لا يمكن للبشرية أن تستغني عنها لكن إسرائيل قلبت هذه المعادلة ولم تعد الوكالة لديها تشبه عمل القلب بالنسبة للدماغ المسؤول عن المشاهدة والنطق والسمع بل أصبحت الوسيلة الإعلامية المستقلة وبعد تنسيق مع اوركيسترا الدولة الأمنية ووسائل إعلامها الأخرى تظهر وكأنها العاملة بمفردها والمعتمدة على ذاتها وبنسبة مئوية كبيرة، وفي التاريخ اهتمت الصهيونية باعتبارها تنظيماً سياسياً عالمياً خطيراً وهاماً بالإعلام من أجل تحقيق هدف الدفع بالهجرة اليهودية إلى فلسطين العربية، فلقد كتب هرتسل في افتتاحية العدد الأول من صحيفة الحركة الصهيونية (دي وولت) تاريخ 3/6/1897: يجب على هذه الصحيفة أن تكون درعاً للشعب اليهودي وسلاحاً ضد أعداء الشعب وقبل تأسيس (إسرائيل) عام 1948 كثفت إذاعتها من نشاطها إلى جانب 14 صحيفة إسرائيلية مثل (هآرتس ويديعوت أحرونوت ومعاريف ودافار) إلى جانب ظهور صحف ناطقة بالعربية مثل (بريد السلام، وصحيفة السلام، واتحاد العمال، وحقيقة الأمر) وكان الهدف منها تثبيت أركان (إسرائيل) وإدخال الرعب في قلوب العرب.
في فترة الانتداب البريطاني ركز (بن غوريون) على إعطاء الإعلام الإسرائيلي وظيفة الدفاع عن المشروع الصهيوني، ومن أجل هذا أسس وقت إعلان تأسيس (إسرائيل) هيئة رؤساء تحرير الصحف وتحت إشراف مباشر من قبل الأمن الإسرائيلي، أما اليوم وبعد إلغاء إسرائيل لوكالة الأنباء ولوزارة الإعلام ولأعمال مجلس الصحف ها بدأ الاتجاه عندهم نحو التحرر من كافة القيود الإعلامية، ومع هذا وذاك لا زالت (إسرائيل) قلعة أسرار الشرق وتقود كل المشاريع التقسيمية والتأمرية العدوانية في المنطقة، وهي لا تختلف كثيراً عن (داعش) وعن (القاعدة) وعن غيرهما من فصائل الطابور الخامس، وما عدوانها النازي المتكرر على قطاع غزة وإلحاق التدمير والقتل به إلا خير شاهد، وهو الأمر الذي تكرر أيضاً في جنوب لبنان، والإعلام الإسرائيلي ينتهج الحرب النفسية كعقيدة لإُبات قوة دولته وجيشه (الذي لا يقهر) كما تدعي بينما مكانتها الحقيقية وسط العرب تكمن في إنهاء احتلالها لبلادهم في الجولان ومزارع شبعا وقبولها بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وإخلاء المستطونات من ساكنيها شتات اليهود والإفراج عن المعتقلين العرب وإقرار حق العودة والتعويض والعزوف عن تهويد فلسطين التاريخية وممارسة العنصرية.
في المقابل الإعلام العربي فاقد الخطاب الواحد والموزع على إعلامات بقدر عدد الدول العربية القابلة للقسمة بعد ما حدث في السودان وترشيح تقسيم سوريا والعراق استعمارياً وفقاً لخارطة (سايكس بيكو الجديدة) بعد مرور 98 عام على الأولى القديمة التي أقرت عام 1916 مناصفة بين الإنجليز والفرنسيين، وقرب حلول مائة عام على بدايات تاريخها الأول الأسود، فأين نحن العرب عن اختراقات إعلام إسرائيل وعنجهية تصرف سفاراتها ومنها في الأردن التي احتجت مؤخراً على مجرد مقال لوزير خارجيتنا الأسبق كامل أبو جابر في جريدة ذي جوردن تايمز (The Jordan Times) الأردنية واتهمته باللاسامية وطلبت منه ومن الصحيفة الاعتذار وتم رفض طلبها بالطبع عندما اقتبس أجزاء من كتاب ادولف هتلر النازي (كفاحي – عندما كتب يقول: "دائماً هناك قوة معينة من المصداقية خلف الكذبة الكبيرة، لأن الجماهير العريضة تساق بسهولة لتصديق الكذبة بسبب طبيعتهم العاطفية، وكذبة الصهيونية الكبرى – أرض بلا شعب – والتي تبناها العالم الغربي بأكلمه والكتاب المقدس والأسطورة التلمودية (شعب الله المختار)، هي أهم العوامل وراء كل المأسي والفظائع التي لحقت بفلسطين منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بازل، سويسرا، في 1897، وقال وقتها الوزير كامل أبو جابر في مقالته هذه تاريخ 1/5/2014: (نحن العرب والأردنيين والفلسطينيين خصوصاً، ضحايا سيل من الأكاذيب من قبل عدد من أقطاب من وسائل الإعلام الدولية لنشر الجنس والعنف والأفكار الصهيونية من اليمين المتطرف.
سؤال أخير وكبير أطرحه هنا في هذه الحلقة من مقالي وهو ما الفرق بين إرهاب إسرائيل ومنه الإعلامي وبين إرهاب الطابور الخامس بقيادة تنظيم القاعدة وفروعه مثل (داعش والنصرة والشورى وخرسان)؟؛ جلالة الملك عبد الله الثاني تحدث مؤخراً عن وجود حرب بين التطرف والاعتدال عالمياً وتحديداً بوجود تطرف إسلامي وآخر صهيوني، وحرب أهلية داخل الإسلام وعمل أردني من أجل حماية المسيحيين (يوتيوب)، أليس الاحتلال أكبر أنواع الإرهاب! وأليس القتل والإبادة الجماعية للعرب من قبلها في فلسطين ولبنان والتطاول على المقدسات الإسلامية كذلك خير مثال، دعونا نفكر معاً لنؤلف قاموساً شرق أوسطياً يفسر لنا معنى الإرهاب الحقيقي ويعرفنا بأسبابه الحقيقية وبجغرافيته وأهدافه وأعماله الإستراتيجية، والله المعين وهو من وراء كل قصد.