لم يجرؤ تيار اسلامي على تأويل النص كما تنظيم القاعدة وشقيقاته من التنظيمات الفرعية والرئيسة , ولو قُدَر لباحث ان يراجع سكون النص الديني خلال القرون السابقة لخرج بنتيجة ان تنظيم القاعدة وتفريعاته كانوا ابرز المُحركين لسكون النصوص الدينية في القرنين الماضي والحاضر .
ليس هذا من باب المدح او اعلان موقف مؤيد , بل من باب المراجعة النقدية لتيارات دينية حافظت على رتابة النصوص رغم كل الاوامر الالهية بإعمال العقل بالتفكير والتدبير والتدبر , فالمراجعات غائبة عن تيارات الاعتدال كما تُطلق على نفسها وطالت الرتابة والسكون دوائر الفعل الرسمي من وزارات اوقاف ودور افتاء وحوزات دينية , قنعت جميعها بجهد السابقين دون محاولة جادة لمراجعة النصوص وفق مقتضى الحال فطغى الفكر الماضوي على المشهد العام وبات الماضي طموح المستقبل .
الآن ثمة حُمّى تجتاح دوائر الحوزات ومؤسسات العمل الديني الرسمي والشعبي لمواجهة الفكر المتطرف ومواجهة الفتاوى التي لوت عنق النص الديني , وخسر الدين الحنيف من خلال رجالته الصامتين خسارة غير مسبوقة حتى في فترات النكوص الفكري وفترات الاحتلال المغولي , وأعادت هذه التيارات مفاهيم السماحة والتنوير الى عصور ما قبل الدعوة النبوية الشريفة .
فألصقت بالاسلام ما هو منه براء بل ودمغته بسلسلة مفاهيم كان اول من دعى الى تحطيم قيودها , فالرق والسبي سلوك مارسته كل الاقوام الغابرة من رومان ويونان وصينيين , فتجارة الرقيق كانت سائدة في كل امبراطوريات العالم قبل الدعوة الاسلامية وظلت اسواق الرقيق والجواري قائمة الى وقت قريب في دول باتت اليوم رمزا للحرية والديمقراطية والمساواة .
كل هذا جرى وسط صمت مريب من كل القوى والحوزات الدينية , بل واحيانا بتواطئ منها , فالساكت عن الحق شيطان اخرس واعمى واطرش , وداعبت القوى التي تحمل صفة الاعتدال الفكر المتطرف وغازلته وحتى اليوم هي تقوم بانتقاد سلوك التطرف وليس التطرف نفسه ولم تستل سيفها لمحاربة الارهاب والتطرف , اما لنكاية في الحكومات التي تتناقض معها او لتحقيق مكاسب ذاتية عبر إحياء نمط المقارنة بينها وبين التطرف وقواه , فتكون الغلبة والدعم لها لمواجهة التطرف بدل معاقبتها على الصمت على التطرف وفتح الابواب له وتوفير البيئة الضامنة لديمومته وتوسعه.
منذ سنوات خلت والإرهاب يضرب الأعناق باسم الدِّين ويغتال مواسم الافراح والاتراح , ومع ذلك لم يقم حزب ديني واحد بنقد فكر التطرف ومحاربته على المستوى الفكري , بل سبق وان شاركت فعاليات من هذه الحركات والاحزاب في مواسم العزاء واللقاءات في العواصم الداعمة لذلك الارهاب , واقصى ما فعلته انتقاد تصرف او نقد سلوك , وسرعان ما يتحول النقد الى عطف اذا ما جرت مقاومة هذا التطرف تارة باسم الحرب الصليبية وتارة بأسماء ومسميات هروبية من المواجهة .
اليوم وبوضوح شديد تسقط مقولة عدو عدوي صديقي فهذه المقولة ليست صائبة , فعدو عدوي كثيرا ما يكون عدوي , وان بقيت مقولة «صديق عدوي عدوي» صحيحة حتى اللحظة , ومن يقرأ المشهد العالمي في حرب الارهاب يعرف معنى سقوط المقولة ويجد ما يدعمها ويؤيدها , فالحرب على الارهاب تشمل الحرب على دول كثيرة تشارك اليوم في الحرب الوهمية على الارهاب , بل ان هذه الدول هي المنتج الرئيس للارهاب والتطرف وهي الدول التي ترعى وجوده وتوفر له كل مقومات الاستمرار تماما مثل التيارات الدينية التي رسبت في معركة المواجهة مع الارهاب والتطرف وانحازت الى التسكين السياسي والفكري .
عدو عدوي هوعدوي بالضرورة طالما يحمل السلاح المزدوج ويكيل بمكيالين وثلاثة , ويطلب دعمي عند الفشل ويدير ظهره عند المغنم وهذه ما حدث مع دول كثيرة استكانت الى المقولة السابقة , فالحرب على الارهاب تتطلب اسلحة نظيفة على المستوى السياسي والفكري قبل السلاح التقليدي وهذا للان غير متوفر ولهذا نجد الكثيرين لا يبدون اطمئنانا للحرب على الارهاب ويخشون التورط فيها اكثر .
(الدستور)