مات أحمد ذلك الشّاب الوديع بسبب عدم نجاحه في الفصل الأول من تلك الحرب الطويلة على الإدراك والتي تسمّى بالتوجيهي.. الشهود يقولون بأنه مات بالجلطة فيما آخرون يؤكدون أنه مات منتحراً باستخدام أداة حادة.. مات احمد وهناك في مستشفى البشير كانت تسجّل حادثة انتحار ثانية لأحد ضحايا التوجيهي.. مات أحمد أيها التربويون.. أيها المسؤولون.. مات أحمد يا وزيرنا الخالد.. فماذا يمكن أن تقول لوالديه؟ هل ستقول بأن الحرب لا بد لها من ضحايا.. هل ستروي لهم قصة حرب البسوس أم داحس والغبراء؟ هل ستقول لهم بأن لكلّ مجتهدٍ نصيب.. هل ستطلب الرحمة له أم اللعنة..
المفارقة أن هناك طلبة ينتحرون لرسوبهم وطلبة ينتحرون لحصولهم على معدل (90%).. هناك من يطلقون المدافع وربما الصواريخ لو توفرت لهم عند حصولهم على الحدّ الأدنى للنجاح.. هناك من يصبح منزله مدرسةً ثانيةً له، فهذا معلّم الإنجليزي خارجاً وذاك معلّم الرياضيات داخلاً وهكذا.. هناك عائلات تغلق هواتفها وأبواب منازلها وتلغي كافة مناسباتها وتعلن حالة الطوارئ طيلة العام الدراسي.
هناك أطنان الحلويات والفيتامينات والمنشّطات والمهدئات كرمى لعيون التوجيهي.
هناك مخازن ومستودعات مليئة باللعاب النارية والذخائر الحيّة والميتة وكلها لعيون التوجيهي
هناك سيّارات ومواكب لمرافقة بطل التوجيهي.
هناك مساحات واسعة في الصحف يتم حجزها وتفريغها لتهنئة بطل التوجيهي.
هناك وعود وعهود بالحصول على كلّ ما يتمنى البطل بعد التوجيهي.
شكراً لوزارة التربية التي ساهمت مشكورة بمنحنا مرضاً جديداً وكبيراً يُضاف إلى قائمة الأمراض والأوبئة المستعصية.. إنه مرض التوجيهي الأردني بامتيازٍ وبلا منازع..
وهو ربما تفوّق على سائر وأخطر الأمراض المزمنة سواء من حيث حجم الانتشار ودرجة الإصابة وكلفة الوقاية والعلاج.
وبحسبةٍ بسيطةٍ فإن كلفة مرض التوجيهي تفوق بأضعافٍ مضاعفة كلفة أمراض السرطانات والإيدز والتلاسيميا والأنيميا وفقر الدم ووهن العظام وانفلونزا الطيور وحمّى الوادي المتصدع وتسونامي والاحتباس الحراري وجدري الأغنام وجنون البقر والسكّري والفشل الكلوي وحروب العاشقين و... مجتمعة.
آن لنا التوقّف بصدقٍ كي لا نستمر في تفريخ الحروب الدونكوشوتية وفي التمادي بصنع فشل أبنائنا وخيباتهم.
آن لنا أن نقول بأن الخلل يكبر وبأن الحياة لا تتوقف ولا تنتهي بالتوجيهي.
معالي الدكتور الخالد: ارحموا تُرحموا..
بموت أحمد فقد آن لأبي حنيفة أن يمدّ رجليه.
majedkhawaga9@yahoo.com