الناس نوعان من حيث العطاء في هذه الحياة الدنيا ، نوع يعطي ويمتد عطاؤه لغيره ولمجتمعه ، ونوع لا يعرف الا نفسه ، لا بل هو لا يتردد في إقتناص فرص غيره إن أمكنه ذلك ، النوع الاول يصنف فطريا بانه من نمط رجال الدولة او الاشخاص العامين الذين تنشغل نفوسهم بهموم اوطانهم ومجتمعاتهم مثلما تنشغل بهموم الذات وربما اكثر ، ولهذا يبارك الله سبحانه وتعالى لهم في امرين اساسيين ، بركة في الرزق حتى لو كان قليلا ، وبركة في محبة الناس ، ومحبة الناس الحقيقية التي لا نفاق فيها هي من محبة الله ، والنوع الثاني يصنف فطريا هو الآخر بانه إنسان ذاته الذي تنشغل نفسه فقط بالكسب له وحده حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين ، ولهذا يفقده الله متعة التنعم بماله حتى لو كان كثيرا ، وهو والحال هذا خسر الدنيا والآخرة معا .
لا أجمل من العطاء في هذه الحياة الفانية حتما ، ويقينا فإن من تسعد نفسه بالعطاء من أجل الآخرين ، يملك أن يستبشر برضى الله جلت قدرته ، مهما تواضع شأن ومقدار ذلك العطاء ، ومن في المقابل لا يجد قدرا من السعادة بهكذا عطاء فإن عليه أن يتلمس رأسه ويسأل الله سبحانه الغفران والرضى .
صح لسان من قال إن الإنسان مجموعة أيام كلما إنقضى منها يوم دنا أجله المحتوم ، ليلقى حسابه إن خيرا او غير ذلك ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه ، والحياة بمجملها إمتحان عظيم نتائجه يوم الحساب بين يدي عزيز عظيم لا يظلم عنده أحد ، وباب التوبة عنده مفتوح لمن أراد ومغفرته وسعت كل شئ .
من منا نحن البشر بلا معصية أو ذنب ، قطعا لا نزكي احدا ، فالناس خطاؤون ولكن خير الخطائين من تاب بعد معصية ، وخيرهم من إستغفر الله كثيرا ، وخيرهم كذلك من أجزل العطاء لمجتمعه ولوطنه وللإنسانية مكفرا بذلك عن ذنوبه ومعاصيه ، والعطاء خير مهما كان مقداره كثيرا أو قليلا ، وهوليس رهنا بالثراء او السلطان ، وإنما هو فرض مادي ومعنوي على كل مؤمن عرف الله جلت قدرته حق المعرفه ، ولنتصور مجتمعا مؤمنا متكافلا. يتسابق الناس فيه كل الناس على العطاء طلبا لمرضاة الله كيف سيكون شأنه وحياته ، والعطاء ليس بالمال وحده ، وإنما هو كذلك بالمحبة والتسامح والتعاون وبالروح الإيجابية وبالكلمة الطيبة والموقف الطيب المشرف ، وهو بالبعد عن النفاق والكذب وسوء الاخلاق وكل ما يتنافى مع مبادئ الإنسانية التي يريدها الله سبحانه وتعالى .
نملك في هذا البلد الطيب أن نستعيد الكثير من تلك القيم الجليلة التي سادت حياتنا في أيام خلت ، وهو أمر ليس بالصعب أبدا ، فقط لو قرر كل واحد منا أن يبأ حياته غدا بأسلوب إنساني مختلف يتقرب فيه الى الله ، يسامح فيه من أساء اليه ويبتسم في وجه اخيه وجاره وزميله ويسعى الى ممارسة عطاء من نوع ما دونما منة على احد ، ويجرب أن لا يستغيب احدا ولا ينافق لأي كان ويعفو ويصفح ، ويعود النفس على أن تكون إيجابية لا سلبية فيها ، يكف عن المعاصي والذنوب ، ويتحمل الأسى ويقابل الإساءة بما هو أحسن ، وبالتأكيد سيجد نفسه مرتاح البال والضمير ، وتلك هي أعظم قيمة في الوجود ، وهي قيمة فيها صلاح الحياة كلها والمجتمع كله ، نعم الناس نوعان ، نوع يعيش لنفسه ولغيره وأجره على الله ، ونوع يعيش لنفسه فقط وجزاؤه على الله ، وهو سبحانه من وراء القصد .