السودان: البشير لدورة «رئاسية» .. جديدة!
محمد خروب
24-10-2014 03:34 AM
قبل عام ونصف وتحديداً في العشرين من آذار من عام 2013، اكد الرئيس السوداني عمر البشير، عدم تمسكه بالترشح لمنصب الرئاسة (ستجري في نيسان 2015)، قائلاً بالحرف وفي مقابلة مع صحيفة الشرق القطرية رداً على سؤال حول هذه المسألة «لا.. كفاية، نحن امضينا (كم) وعشرين سنة، وهي اكثر من كافية في ظروف السودان، وان السودانيين يريدون دماءً جديدةً ودفعة جديدة كي تُواصل المسيرة»..
ما الذي تغيّر اذاً في هذه القناعة وذلك الوعد المتكئ على تفسيرات، بدت في حينه وكأنها معقولة وكافية، وتعكس «قناعة» الرجل الذي جاء الى موقعه عبر انقلاب عسكري في الثلاثين من حزيران 1989، بأن الوقت قد حان للرحيل، قبل ان تغرق البلاد وتُشلّها الأزمات والحروب والفوضى؟
ليس ثمة ما يشير الى حدوث «شيء» دراماتيكي في السودان، أجبر الرئيس الذي اطلق على انقلابه العسكري، بالتعاون مع صاحب العمامة الملتحي حسن الترابي «ثورة الانقاذ»، بل ان المسرحية التي قام بها مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بدت خالية من الإثارة ومرتبكة وغير مقنعة لأحد، وثمة ما يدعو للشفقة اكثر مما يستدعي السخرية، عندما أخبرنا ابراهيم الغندور مستشار البشير ان الرئيس (لم يحضر الاقتراع السرّي لمجلس شورى الحزب لاختيار مرشح من بين خمسة اصطفاهم للمنافسة) انما اراد بعدم حضوره «التأكيد» على ان الامر متروك للقيادات لتختار من تريد!
اضحكتمونا فعلاً..
وكأن لا أحد يذكر وعد الرئيس «القاطع» بعدم الترشح وحاجة السودان الى دماء جديدة، وان هذه القيادات لا ترى تفاصيل المشهد السوداني الدموي والمأزوم والمثقل بالمشكلات والحرائق واهتراء نسيجه الاجتماعي وانهيار «الحوار الوطني» الذي كان دعا اليه البشير نفسه ثم ما لبث ان غيّر التسمية، ليغدو «حواراً مجتمعياً» بعد ان أغلقت المعارضة الابواب في وجه دعوته واعتبرتها مناورة لشراء الوقت وترحيلاً للأزمات واستمراراً لنهج الاستئثار والإقصاء الذي كرّسه، منذ جاء على ظهر دبابة حتى اندلاع التمرد في دارفور وبدء العد العكسي لانفصال الجنوب الذي اراد هو والأب الروحي لثورة الانقاذ حسن الترابي، فرض قوانين الشريعة الاسلامية عليه وأسلمة المجتمع السوداني والتحالف مع الحركات الاصولية في المنطقة العربية، وسط إفقار السودانيين وارتفاع الاسعار والبطالة والتضخم وسوء العلاقات مع الجيران (عرباً وافارقة) وتزايد عزلته شخصيا ونظامه، الذي لم يتردد كثيرون في وصفه بالفاشل.
وإذا كان الجنرال البشير قد نجح في كسر طوق العزلة والقيام بزيارة الى مصر، اعتبرتها اوساط عديدة بأنها لم تأت من موقع «ندّي»، بل من خلال تنازلات قدمتها الخرطوم في موضوعات عديدة، تبدأ بمنطقتي حلايب وشلاتين ولا تنتهي بالاصطفاف الى جانب مصر-او الحياد-في مسألة سد النهضة الاثيوبي، حيث وقفت الخرطوم الى جانب اثيوبيا في الخلاف بين القاهرة وادريس ابابا، فإن تركيز التصريحات على انها زيارة «ناجحة» وانها لم تتعرض للقضايا الخلافية، يعكس حجم المأزق الذي باتت عليه الخرطوم في علاقاتها الاقليمية، وبخاصة بعد ان لم يعد قرارها باغلاق المراكز الثقافية الايرانية في السودان، بأي فائدة تذكر من قبل بعض العواصم الاقليمية، التي كانت «تتهم» البشير بالوقوف الى جانب ايران ومساندة «مشروعها» الاقليمي.
تراجع البشير عن وعوده بعدم الترشح، والتي اخذت بُعداً «جدّياً» لدى بعض المتابعين للشأن السوداني وبخاصة بعد «انقلاب القصر» الذي قاده ضد اقرب اصدقائه وحلفائه (غازي العتباني) والإتيان بجنرال في الجيش الى جانبه، قيل في حينه ان الرجل يريد الاطمئنان الى ان الرئيس الجديد لن يتخلى عنه ولن يسارع الى تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، ليس مفاجئاً (التراجع)، وهو كان اصلاً بذل وعوداً مشابهة، لكنه تراجع عنها ولم يكن السودان قد وصل الى وضعه البائس الراهن على مختلف الصعد، كما كان يفعل جنرال «عربي» آخر اسمه علي عبدالله صالح، عندما كان يُقْسِم انه لن يترشح، ثم لا يلبث ان يرضخ لرغبة «الجماهير» وضغوط حزبه (اسم حزبه وحزب حسني مبارك.. المؤتمر ايضا).
ثمة ما يدعو للغضب في هذا المشهد العربي، الذي يزداد بؤساً وتردياً، وسط انظمة تعيش معظمها ازمات بنيوية عمييقة وتفتقد الى ابسط انواع الشرعية، يحاصرها الرفض الجماهيري ويُثقل عليه الفساد والشللية وتزايد المديونية ونضوب الخزائن، في وقت ترتفع اصواتها باتهام قوى المعارضة، بأسوأ انواع الاتهامات، حدود العمالة لاسرائيل، على نحو ما فعله البشير في اتهامه للصادق المهدي بأن الاتفاق الذي وقعّه مع الجبهة الثورة المتمردة في دارفور انما تم بوساطة.. صهيونية.
فوز البشير-إذا ما واصل الترشح-في نيسان القريب وارد، ويكفيه انه سيكون فوز بطعم الهزيمة، وخصوصا ان لا احد في المعارضة التي اعلنت مقاطعتها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، يستجيب لدعواته بالحوار، غير شريكه القديم/ الجديد حسن الترابي الذي فقد هو الاخر كل..صدقيته.
(الرأي)