كلنا في "الرمال المتحركة" شرق!
د. محمد أبو رمان
24-10-2014 03:32 AM
في الوقت الذي تتركز فيه أنظار الجميع على مدينة كوباني الكردية في سورية، وعلى المعارك المشتعلة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق، فإنّ الأوضاع في اليمن وليبيا تتطوّر بصورة متسارعة وجوهرية باتجاه حروب أهلية، وانقسامات سياسية وجغرافية.
ما يجري في اليمن يمثّل نموذجاً مماثلاً تماماً لما يحدث في العراق وسورية، وبدرجة أقل في الحديقة الخلفية لهما: لبنان. فالمعارك المشتعلة اليوم ذات طابع طائفي-جغرافي؛ ففي المناطق الشمالية والغربية ينتشر الحوثيون ويتمدّدون، بينما في المناطق الشرقية والجنوبية تنتشر "القاعدة" بالتحالف مع العشائر السنيّة هناك. بينما الدولة تتبخّر تماماً، وجيشها انهار سريعاً، كما حدث، ويحدث في العراق وسورية.
بالضرورة، مثل هذا المسار سيؤدي إلى استنساخ "داعش يمني" في مواجهة الحوثيين، لملء الفراغ السياسي السُنّي السافر، تحت بند الدعاية الأيديولوجية والسياسية المعروفة للتنظيم في العراق "مواجهة المدّ الصفوي-الإيراني". وسنجد أنفسنا أمام حرب أهلية واسعة وعريضة في هذا البلد المسالم تاريخياً!
في ليبيا، بدأ "داعش" يظهر بوضوح، ويتصدّى لقوات اللواء حفتر، المدعوم مصرياً وعربياً. وفي فيديو مصوّر جديد بعنوان "ادخلوا عليهم الباب"، نجد أنّ مجلس شورى ما يسمى "الشباب المجاهدين" يستنسخ أسلوب "داعش" الإعلامي والعسكري، ويحاكي التنظيم في العراق وسورية، بل ويحمل راياته ويعلن الولاء الكامل له!
المثير في المشهد العربي الراهن، عبر هذه الجولة السياسية-الجغرافية، هو أنّ الانكماش والاختفاء لا يقتصر على الجيوش الوطنية، بل يطاول أيضاً الجماعات الإسلامية المحسوبة على خطّ الاعتدال. ففي سورية، لا يوجد أي حضور لافت في النشاط العسكري أو حتى الداخلي لجماعة الإخوان المسلمين. بينما في العراق تراجع حضور الحزب الإسلامي و"الإخوان" في الأوساط السُنّية خلال الأعوام الأخيرة. أما في اليمن، فأصبحت مقرات حزب الإصلاح-الإخواني لقمة سهلة للحوثيين، بينما تبدّت المقاومة الشرسة والعمليات الانتحارية من "القاعدة" هناك. ولا تختلف الحال في ليبيا عن ذلك. وكأنّ مثل هذه البيئات الجديدة لا تتناسب لا مع الجوامع الوطنية، ولا حتى مع الحركات الإسلامية المعتدلة!
ليس فقط تنظيم "الدولة الإسلامية" من يمثّل اليوم فاعلاً إقليمياً صاعداً. فكردستان العراق أصبحت كياناً سياسياً شبه مستقل، والقضية مسألة وقت ليس إلاّ. فيما تشير مصادر كردية إلى أنّ هناك ترتيبات لإعلان قريب عن اندماج بين المناطق الكردية في شمال سورية مع العراق؛ أي إنّنا أمام دولة جديدة في المنطقة، تعيد ترسيم حدود "سايكس-بيكو".
والحال كذلك، فلا نتصوّر أنّ هناك إمكانية، في ظل الظروف الراهنة، لأن تبقى سورية موحّدة، مع كل هذه المجازر والدماء والعداوات الداخلية. وما يحصل حالياً هو تقسيم فعلي للمناطق، وصراع على مناطق أخرى بين السُنّة والعلويين مع الأقليات المختلفة.
أمّا في العراق، فالأمر لا يقف عند حدود الأكراد؛ إذ هناك أسئلة جديدة تطرح من قبل السُنّة والشيعة على السواء عن مدى صمود الدولة الوطنية التي تأسست على يد الهاشميين في العراق المعاصر. وقد باتت كلمة "الفيدرالية" بمثابة "اسم حركي" لتراجع السلم الأهلي والشعور بالمصير المشترك والمصالح الوطنية الجامعة.
خلاصة القول: ليست المشكلة مقتصرة على ما يحدث في العراق وسورية؛ بل الرمال المتحرّكة تُغرق المنطقة والدول، وتبتلع الحدود، وتُسقط معها شعارات ورايات وأعلاما، فيما تظهر أخرى، مؤذنة بمرحلة انتقالية ومشهد عربي جديد لا تبشر معالمه الأولى بالخير أبداً!
(الغد)