في اللقاء مع جلالة الملك، تباينت وجهات نظرنا (داخل كتلة التجمع الديمقراطي النيابي) بشأن الموقف من تنظيم "داعش"، ومشاركة الأردن في التحالف الدولي ضد هذا التنظيم. ولم أجد في ذلك حرجا؛ فالتباين قائم في كل مكان، وداخل كل بيت، ولا يدور فقط حول مشاركة الأردن في التحالف الدولي، بل أيضا حول تشخيص حقيقة "داعش" والصراع الدائر.
الملك بدأ اللقاء بحديث مهم للغاية، قدم فيه رؤية صريحة وصافية وصادقة للموقف. ولا أحتاج إلى إعادة سرد ما قيل؛ فقد نقله بتوسع الخبر الصادر عن الديوان الملكي. لكنني أعود إلى فكرتين جريئتين وحاسمتين في حديث الملك.
قدّم الملك، بعبارة واحدة، تشخيصا فارقا لما يحدث، عندما قال إننا أمام حرب أهلية (داخل الإسلام) بين التطرف والاعتدال. والواقع أن هذا ما يجري منذ صعود موجة التطرف في الإسلام السياسي، بغض النظر عن التداخلات الإقليمية والدولية. وهي بدأت (الموجة) قبل "القاعدة" في أفغانستان، وأخذت شكل حرب أهلية فعلية في الجزائر، كما تمظهرت بصيغ مختلفة في بلدان أخرى، وصولا إلى ظاهرة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" التي تخصنا نحن في المشرق العربي، ووصلت بالتطرف السلفي إلى نهاياته القصوى، لدرجة العودة إلى ممارسات انقرضت في المجتمعات منذ قرون، من مثل سبي النساء وإنشاء أسواق النخاسة واسترقاق الأطفال، ونشر الرعب بأبشع أساليب القتل لكل مخالف وللأقليات الدينية والإثنية، بهدف التميز حتى عن أكثر الجماعات الإسلامية المنافسة تشددا.
ويستخلص الملك تقييما جريئا آخر، وذلك عندما وصف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بأنه "مقلوب"؛ فالصحيح أن يكون تحالفا عربيا وإسلاميا تدعمه بقية الدول وليس العكس، لأن القضية بالأساس قضيتنا، وهي مسؤوليتنا في هذه المنطقة.
لا يقدم المسؤولون الأردنيون، في العادة، تشخيصا وتحليلا جريئين كهذين، ولا حتى المسؤولون العرب. والجميع يتهيب من الاتهامات، ويراوغ في عرض قناعاته والدفاع عن خياراته؛ الأمر الذي يضعف موقف الاعتدال وقضيته، ويزيد نفوذ نظرية المؤامرة، كما يزيد الهامش أمام مختلف الأطراف السياسية، بأجنداتها المختلفة، للتلاعب بالرأي العام.
وفي الحوار آنف الذكر، كان الملك يقاطع الزملاء المتحدثين كلما كانت هناك فكرة أو تلميحات خاطئة تخلط الأوراق؛ ليعيد إجلاء الموقف بوضوح وشفافية. وقد ردّ جلالته بسرعة على التلميحات بشأن التدخل البري للأردن، قائلا: إذا كان هناك من يتصور أننا سننتقل بالفرقة الثانية إلى قلب العراق وسورية لقتال "داعش"، فهذا ليس واردا. نحن سنكون طرفا فاعلا في التحالف، لكن القتال البري هو شأن السوريين والعراقيين.
ولا أعتقد أن الملك، بأسلوبه الصريح في تقديم وجهة نظره، كان سيتردد في عرض رأي مختلف بشأن التدخل البري لو كانت لديه القناعة بسلامة هذا الخيار.
والموقف الأردني حتى في إطار التحالف الذي نشأ لمحاربة "داعش" لم يتغير من حيث القناعات السياسية التي تقوم أساسا على المصلحة الوطنية الأردنية في كل مرحلة، وعلى الأهداف المعلنة بتحقيق الحل السياسي وإنهاء الاقتتال، وتحقيق توافق وطني على النظام السياسي، وتأمين السلام والاستقرار في البلدان الشقيقة. وتحدث الملك عن جولاته ولقاءاته، والجهود الحثيثة لبلورة توافق دولي، يشمل طهران وموسكو، من أجل الحل السياسي.
(الغد)