الدخان الأسود يندلع في كافة الأجواء العربية
اسعد العزوني
22-10-2014 10:03 PM
التقليد المسيحي المعروف حول الدخان الأسود والأبيض ،يفيد أنه في حال ظهور الدخان الأسود من المبنى الذي يجتمع فيه الكرادلة لإنتخاب بابا جديد،فإن ذلك يعني أن الأمور ما تزال متشابكة ،ولم يتم التوصل إلى حل توافقي يرضي الجميع بإنتخاب البابا المنتظر ،أما في حين ظهور الدخان الأسود ،فإن ذلك يعني أن الأمور إستوت بالتوافق على بابا جديد.
الأمر ذاته ينطبق على الأوضاع في المنطقة العربية التي تشتعل فيها النيران منذ قرن مضى على الأقل ،ويتواصل إندلاع الدخان الأسود في كافة الأرجاء العربية ،دلالة على عدم الإستقرار .
الجزاء من جنس العمل ،فهذه المنطقة ،وبسبب عدم سير الأمور فيها حسب الوجهة الطبيعية،وصلت إلى ما هي عليه الآن ،بعد تخبط تمثل في إنقلابات عسكرية قام بها ضباط موالون للغرب،وإستطاعوا الضحك على ذقوننا بتلاوة البيان الأول ،الذي تضمن القسم المقدس لتحرير فلسطين ،لكن هؤلاء لغبائهم أضاعوا ما تبقى من فلسطين ،وحتى أن أراضي بعضهم لم تسلم من الإحتلال ،ومع ذلك شهدناهم وقد تقمصوا صمت القبور وتعاقدوا مع تمثال أبي الهول.
الخلافات العربية – العربية، والعسس وتكميم الأفواه وإنعدام التنمية ،والديون المرتاكمة لصندوق النقد والبنك الدوليين وأمريكا وبعض دول اوروبا الغربية ،وتطفيش العقول الغربية وكذلك الرساميل العربية لإجبارها على الإستيطان في الخارج مكرهة،إضافة إلى مصادقة العدو ومعاداة الصديق ..كل ذلك أدى إلى ما نحن عليه وفيه،لأن ذلك لم يثمر هدوءا ولا طم،ينة لأنظمة سايكس بيكو ومن هم على شاكلتها ،فكان ما كان ،وسيكون ما مفروض ان يكون ،لأن تداعيات الموقف الأول المتمثل بمعاهدة سايكس- بيكو عام 1916، مرسومة بالقلم والفرجار والمسطرة ، وها نحن بداعش نشهد الفصل الأخير من تداعيات المنطقة المرسومة سلفا من قبل أعداء الأمة ،حيث تقسيم المنطقة إثنيا وعرقيا ودينيا ضمن ما اطلقوا عليه مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو الوسيع لا فرق.
عوقبنا جميعا بزراعة إسرائيل في قلب الوطن العربي فلسطين، وإبتلينا بمن لا ينتمي إلينا ،ومع ذلك نفذ أجندته وإستمر طويلا في الحكم،وهناك من حظي بألقاب كبيرة مثل أمير المؤمنين ،ونفذت حروب ممسرحة مع إسرائيل ،إنتهت بهزيمتنا في كل مرة لكننا كنا نحتفل ببقاء الحاكم على كرسيه.
شهدنا معارضات ،ولأننا نفتقد للثقافة في هذا المجال صدقنا الفيلم وربما ،إندمجنا معه مسحجين وأحيانا مندمجين في المشهد،لكن الطامة الكبرى أن المعارض كشف عن نفسه بأشكال عديدة منها انه أثبت أنه سلطوي ديكتاتوري أكثر من سلفه بعد تسلمه السلطة،أو انه مندمج مع السلطة ليلا ،لكنه يمثل دور المعارض يسب ويشتم السلطة نهارا.
الشعوب العربية كانت ترقب المشاهد وتندمج معها إن سلبا او إيجابا،فكان جزء منها سلبيا يؤمن بما تقوله العديد من المثال ،وفي مقدمتها :ضع رأسك بين الرؤوس وقل يا قطاع الرؤوس،وكذلك :اليد التي لا تقدر عليها بوسها وأدع عليها بالكسر،وهؤلاء هم السحيجة الذين يبدون الندم هذه الأيام ،لأن حصتهم من الكعكة لم تصل إليهم،أي أنهم خرجوا من المولد بلا حمص.
أما الجزء الثاني من الناس فقد إنجرفوا في العمل السياسي دون وعي وآلية ،فكانت وجهتهم خاطئة ،ولم يثمر حرثهم ولا زرعهم ثمرا طيبا ،بل أضافوا لهمومنا هموما أخرى.
"الربيع العربي" الذي شهدناه منذ نحو أربع سنوات ،وأينع أزهارا أمريكية وإسرائيلية بعد إختطافه منا ،لأننا لم نكن قادرين على حماية منجزاتنا ،لعدم تأهيلنا أصلا لمثل هذه المرحلة، هذا الربيع جاء عقابا لنا ،ويشبه حال المدين الذي لم يكن يسدد دينه ،بل قبل على نفسه إضافة فوائد تراكمية على الدين ،وفي نهاية المطاف فرض عليه أن يدفع الدين والفوائد المركبة في وقت واحد .
الآخرون كانوا يرصدون سير المور في منطقتنا ويعدلون مسار خططهم ويضيفون عليها ،وقد سر حالهم لأن نار الربيع العربي أحرقتنا جميعا ، وهاهم بعد إطلاق تنظيم الخوارج الجدد داعش من عقالهم ،يتفرجون علينا ونحن نحترق بنار هذا الداعش الداعش ، المسلمون قبل المسيحيين وأبناء الأقليات ،وها هي إسرائيل تتحضر لعرسها الكبير ،حيث ستعلن بعد نحو ثلاث سنوات عن نفسها دولة خالصة لليهود ،شاء من شاء وأبى من أبى.
لذلك أقول ان الدخان الأسود ما يزال مندلعا في كافة الأجواء العربية دون إنقطاع لأننا لم نسر في الوجهة الطبيعية التي تعدل من حالنا وتقوم إعوجاجنا الدائم.