كان صادقاً طرفة بن العبد حين قال ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلاً، ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد.. لكنه لم يكن ليعلم أن الأخباربوسائلها الحديثة ستغرقناوستفيض عن قدرتنا على ملاحقتها واستيعاب قساوتها.
مع رشفات قهوة الصباح تحاصرك أخبار الحوادث التي باتت تزاحم لحجز مكانها في صدر الصحف وفي الأخبار المتسارعة للمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي يحسب تحديث الخبر فيها بالثانية.
أحداث لحظية تحيط بنا وتتقلب مابين رفة عين وانتباهتها، عبر تكنولوجيا متطوّرة كل يوم، كلما ارتفع منسوب تقدّمها عقدت حياتنا وأثّرت سلباً على راحتنا وهداة بالنا.
أخبار من كلّ مكان صارت أكبر من قدرتنا على الاحتمال، ولم نعد نجد في جعبة عواطفنا مايكفي للإحاطة بكل تلك الكوارث.فقد دفعتنا هذه الجرعات المكثفة لسباتٍ شعوريّ حيث اللامبالاة وحيث والتعايش السلمي مع الخبر السيئ.
لا شيء يفرح في الأخبار، مع تعاظم ملحوظ، ككرة الثلج، لمنسوب السلبيّات اليومية التي نتجرّعها، ما جمّد فينا الانفعال، فما عدنا ندري بأي سلاحٍ نفسي نتلقى صدمةً جديدة تصلنا عبر وسائل الاعلام أو وسائل الاتصال الحديثة، حين تصرّ أن تحضر لنا وجبة دموية من كل مكان ثمّ ترمي في وجوهنا ما في جعبتها.
جرائم من كل نوع تلف هذا العالم..وأرواح تزهق وجرائم شرف واساءات وتسمم غذائي وحوادث سير وبلطجة ومشاجرات وعنف وعنف وعنف.موت مجاني يغلّف هذا الكون، يباغتنا مع ارتشاف قهوتنا الصباحية وينعجن فيه خبزنا اليومي.
نحسد أنفسنا أننا لا زلنا قادرين على الانفعال قبل أن تتلاشى حرارتنا الفطريّة كخيط دخان.. ذلك أن الخبر السيئ لم يعد أمراً استثنائيا، صار استثنائيّاً أن نقرأ الفرح في صباحاتنا وصار استثنائيا أن يتراقص الأمل في بخار قهوتنا.
وجباتنا اليومية المكثفة من أخبار «تسمّ البدن»،من هنا ومن هناك، تحولنا تدريجيّاًإلى متلقين سلبيين وتخلق فينا شعوراً عدائياً.
متى يجمعنا الفرح بالفرح وكلّ أخبارنا أحزان ودماء ومجهول؟. لا جواب عندي سوى أن هذا الانسان ماعاد يحتمل.. ألا يكفيه همه المعيشي، إنه يحمل فوق كتفيه أثقالاً فوق أثقالها. "الراي"