االبخيت بين بغدادي "الفهرست" وبغدادي "داعش"
السفير الدكتور موفق العجلوني
21-10-2014 01:19 PM
اشعر بارتياح كبير عندما احضر ندوة يتحدث فيها دولة الدكتور معروف البخيت . و خاصة ان معرفتي بهذا الرجل الاردني الاصيل تعود الى عام 1994 في مبنى وزارة الخارجية السابق ( وزارة البلديات الحالي ) عندما كان منسقاُ للمفاوضات الاردنية الاسرائيلية و التي تمخض عنها اتفاقية السلام لعام 1994 , و كنت في حينها اشارك في ملف المياه الى جانب كل من معالي الدكتور منذر حدادين و معالي الدكتور ابراهيم بدران .
معرفتي بمعروف البخيت انه جندي من جنود الحسين طيب الله ثراه و ممثل لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين كسفير مفوض و فوق العادة في اكثر من موقع و رئيسا للوزراء , فدولته يبدو لي انه يقف على قمة جبل عال و بامكانه مشاهدة الجهات الاربع و كل الميادين العسكرية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية سواء على الجبهة الداخلية او على المستوى العربي او الاقليمي او الدولي , و اكاد اجزم ان تحليلاته و توقعاته تحمل نسبة عالية من المصداقية اذا لمن تكن المصداقية ذاتها , علاوة على انه يتمتع بثقة الغالبية العظمى من الاردنيين , و هذا ليس رأي فحسب و انما رأي الكثيرين .
ما دعاني للكتابة ان دولته أكّد من خلال الندوة التي عُقدت في ''نادي الأردن'' يوم السبت الموافق 18/10/2014 أن الأردن لا تتوفر فيه بيئة حاضنة لداعش،وأن بعض التأييد القائم محلياً، لا يعدو كونه غضباً داعشياً، نتيجة التهميش واليأس ومناكفة بالدولة''.
اخذني دوله الدكتور البخيت بعيدا الى القرن التاسع الميلادي والى الوسط التجاري في وسط بغداد وبالذات الى ايام ابن النديم أبو الفرج محمد بن ابي يعقوب بن اسحاق النديم الورّاق البغدادي صاحب الفهرست .
فوجدت ان اذكر ... ربما تنفع الذكرى , ان عائلة البغدادي عائلة عريقة جليلة منقوش اسمها بعمق التاريخ العربي الاسلامي و بحروف من ذهب و برائحة عطر العود , و انني اشعر بالحزن العميق كيف اخذت رائحة القتل و الدمار و رائحة البارود تلوث عطر العود و تصهر حروف الذهب و تمحوها لتحولها الى رماد يعبق في سماء عالمنا العربي و العالم اجمع .
لست في معرض الحديث عن ابو بكر البغدادي , فقد تحدثت في مقالات عده عن شركة داعش المساهمة المحدودة , و تحدث العديد من الكتاب و السياسين و عقدت المؤتمرات و جيشت الجيوش و التحالفات . فقد رغبت من خلال حديث دولة الدكتور معروف البخيث ان اذكر بدور ابن النديم أبو الفرج محمد البغدادي في الوسط التجاري في بغداد و اعماله التي لا يعلم عنها الكثير بينما يعلم الجميع من هو ابو بكر البغدادي و تنظيم داعش .
في عهد ابن النديم أبو الفرج محمد البغدادي صاحب الفهرست فقد انتشرت الكتب التي ترجمت بين الناس فتداولوها ونسخوها وقرأوها وأنشأت الدولة دورا للكتب في كل مكان. ففي عام 891م أحصى مسافر عدد دور الكتب في بغداد فكانت أكثر من مائة. وكان في سوق الكتب عند بوابة البصرة ببغداد أكثر من مائة متجر لبيع الكتب .
لا اعرف الان كم مخزن للسلاح و كم وسيط و تاجر و كم مصنع جاهز لتوريد الات القتل و الدمار ! و كم بقي من دور الكتب و متاجر بيع الكتب في بغداد , و هل اهل بغداد خاصة و العرب عامة يعرفوم الارث الحضاري الكبير الذي تركه محمد بن اسحق بن نديم البغدادي . في هذا الوسط التجاري في بغداد برز علماء ألفوا الكتب وصنفوها، و كان على رأسهم ابن النديم أبو الفرج محمد البغدادي صاحب الفهرست، هذا الكتاب الذي يحتوي على أسماء جميع الكتب والترجمات التي ظهرت خلال القرون الهجرية الأربعة الأولى .
لقد شجع العلماء العرب هذه الحركة العلمية الشاملة بدافع من حبهم الشخصي للعلم وشعورهم بالمسئولية تجاه الدين الذي يحث على طلب العلم ويرفع من منزلة العلماء , لا على القتل و الترهيب و الترويع .هكذا كان موقف الدين الإسلامي من العلم، وموقفة هذا كان المحرك الكبير لا للحياة الدينية فحسب بل للحياة الإنسانية من جميع جوانبها وموقف الإسلام هذا هو الدافع الأكبر في السعي وراء العلوم وفتح الأبواب للوصول إلى المعارف الإنسانية و التقدم الحضاري و العمراني و الانساني .
شكرا لدولة ابو سليمان الذي ذكرنا بهذا الوجه العربي الاسلامي الحضاري - ابن النديم أبو الفرج محمد بن ابي يعقوب بن اسحاق النديم الورّاق البغدادي, صاحب كتاب الفهرست ( الفهرس ) الذي نشره عام 938 والذي قال عنه في مقدمته أنه جامع لكل ما صدر من الكتب العربية وغير العربية، وكان بذلك ابن النديم أول المصنفين في العالم حيث لم يكن قبله الا كتب تصنف الشعر والشعراء تسمى الطبقات. وكان هو من أدخل كلمة الفهرست الفارسية إلى العربية .