فجأة خطرت على بالي "ماري كوري" ليس لأنها أول امرأة تحصل على جائزة نوبل مرتين عن أبحاثها في علم الأشعة وفي الكيمياء، ولا لأن الفضل يعود إليها في اختراع جهاز الأشعة السينية، بل لأنها قالت ذات مرة "إن الطريق إلى التقدم ليس سريعا وليس سهلاً، فنحن نخاف ما نجهله، ولا يوجد ما يخيفنا على الإطلاق بعد أن نفهمه، ولا يوجد في العالم ما قد يخشى منه، هناك فقط ما قد لا يفهم جيدا".
وطالما أن الأمر متعلق بالفهم، فذلك يعني أنه متعلق بالتفكير بجميع مستوياته وقدراته الإبداعية، ولا بأس أن نستحضر الأشعة السينية والتصوير الإشعاعي الذي اكتشفه العالم الألماني "وليام رونتجن" كي يكون النشاط الذهني مزودا بالصورة الحقيقية العميقة لما نراه على السطح!
هل يستطيع أحد منا أن يدعي بأنه يفهم جيدا ما يدور حوله من أحداث وتطورات، أو أنه قادر على استشراق المستقبل القريب دون أن يخشى من شيء؟ الجواب واضح على ما أظن، فها هي منطقتنا كلها مليئة بالخوف ليس الناجم عن ذلك الحجم الهائل من القتل والدمار وحسب، بل الناجم عن المجهول أيضا، وعدم فهم ما يجري وإلى أين نقود.
مرة أخرى لماذا لا تتاح لنا فرصة الفهم حينها، ولماذا نضع كل شيء في حضن "المؤامرة" وكأن الفكرة تريحنا من التفكير؟ فما دامت المؤامرة من صنع قوى متحكمة في مصير العالم كله، وما دمنا لا نستطيع فعل شيء في مواجهتها فلا حاجة لنا للتفكير خاصة وأننا فهمنا أنها "مؤامرة"!
قد تكون المشكلة الأكثر تعقيداً هي أننا في قطاعاتنا المختلفة نغالط أنفسنا، فبدل أن نتنادي إلى حالة من التفكير الجماعي يساعدنا على فهم ما ليس واضحا كي نتمكن من التقدم إلى الأمام، فإن أطراف العلاقة تدخل في خصومة غير مفهومة تقودنا إلى الخلف، وذلك يفسر مكوثنا الطويل، وسيرنا المتعثر في الأمور والشؤون كلها.
ليست هذه دعوة لليأس، بل على العكس من ذلك إنها دعوة للتأمل والتفكير، لقد حان الوقت كي نفهم ما هو عصي على الفهم، ليس لأنه صعب معقد، بل لأننا لا نحسن التفكير فيه، فيظل غامضا مجهولا ما لم نحسم أمرنا ونقرر أننا نريد أن نفهم، وأننا قادرون على ممارسة الفهم، بل ذلك هو واجب مفكري الأمة إذا كانوا يحترمون أنفسهم.