لم يكن كثيرون بيننا يصدقون قصص سبي النساء وبيعهن من قبل مقاتلي "داعش"، إلا بعد أن أصدر التنظيم بنفسه بيانا أكد فيه صحة الأمر، واعتبر أفعاله الشريرة هذه تتفق مع أحكام الشريعة التي تمنح الحق للمقاتلين بأخذ نساء جماعات من غير أهل الكتاب سبايا. ولذلك، كانت النساء الأزيديات هن الضحايا في العراق.
أمس، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية قصة أرملة أزيدية تمكنت من الهروب من جحيم "داعش". لكنها قبل ذلك دفعت ثمنا غاليا، مثل المئات من النساء الأزيديات.
السيدة الأزيدية، واسمها عمشة، قُتل زوجها أمامها، واقتيدت هي وطفلها الرضيع الذي لم يكمل عامه الثاني إلى معسكر الاعتقال، والذي هو بمثابة سوق لعرض النساء على الراغبين في الشراء. عمشة كانت من نصيب رجل خمسيني، اشتراها بـ12 دولارا فقط لا غير! عاشت عمشة معه أياما رهيبة؛ ضربها وعنفها. وتحملت كل ذلك من أجل طفلها الصغير، إلى أن تمكنت من الهرب من منزله.
لم تحظ معاناة الأزيديين بالاهتمام الكبير في المجتمعات العربية، مقارنة بما نالته فئات أخرى من التعاطف. وهذه من وجهة نظري جريمة ثانية ترتكب بحق هذه الطائفة الأصيلة من العراقيين، لا لشيء سوى أنهم ليسوا أهل كتاب.
إرهابيو "داعش" لم يكتفوا بتشريد هؤلاء من ديارهم، وسلب ممتلكاتهم؛ بل ذبحوا رجالهم، وسبوا نساءهم وأطفالهم. كان عملا وحشيا وجنونيا لا يجد المرء عبارات تصفه. وهذا ما حصل بكل أسف؛ فالأغلبية منا صمتت على تلك الجرائم، وحتى في الدول الغربية التي لم تفكر في التدخل لردع "داعش" إلا بعد أن قُتل عدد من الأشخاص الغربيين، وهي جريمة مدانة بالطبع.
في رواية عمشة لـ"الغارديان" جزئية تبعث على الأسى، لكنها تكشف ما في دواخلنا من وحشية تجاه الآخر الذي نختلف معه؛ في الدين أو الطائفة أو الجنسية. عمشة تشرح بأن عملية بيع الفتيات الأزيديات كانت تتم يوميا؛ إذ يدخل الرجال ويختارون الفتاة، وأكثرية هؤلاء من العراقيين. هل يمكن لعراقي أن يقبل بهذا الفعل الشنيع في حال كانت الفتيات المعروضات للبيع من طائفته؟ المؤكد أنه لن يقبل، لكن ما دمن أزيديات ولسن من أهل الكتاب، فالأمر مشروع!
المسألة إذن ليست التزاما مبدئيا بقيم إنسانية، لم يعد لها محل، ويمكن دوسها بالأقدام استنادا إلى فتوى دينية من جهلة "داعش".
الأزيديون جزء أصيل من الشعب العراقي، عاشوا فيه منذ آلاف السنين. لكنهم في رمشة عين فُجعوا بتنكر الجميع لهم. تروي برلمانية عراقية من الطائفة الأزيدية، في حديث تلفزيوني، مرارة هذه التجربة، وشعور أبناء طائفتها بتخلي الشركاء في العيش والوطن عنهم، وتركهم نهبا لعصابات "داعش". لم يرفع أحد صوته للدفاع عنهم؛ لا بل شارك كثيرون من غير مقاتلي "داعش" في جرائم سلب ممتلكاتهم، وسبي نسائهم.
سيكون أمرا صعبا دمل هذه الجراح في المستقبل، حتى لو انتصر "التحالف" على "داعش". ما حصل ضربة في الصميم، لن يكون التعايش بعدها ممكنا بين طوائف العراق. والحال لن تختلف في سورية الغارقة في حرب أهلية، أو في سواها من البلدان العربية التي تمضي بثبات نحو حروب طائفية مديدة.
كيف يمكن للأزيديين أو الشيعة والسنة والعلويين والمسيحيين أن يغفروا لبعضهم، بعد أن وصل الدم إلى الركب؟
(الغد)