facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الطفيلة ..


صبري الربيحات
20-10-2014 01:41 PM

مثل كل المدن التاريخية، للطفيلة سحر وروح وعبق واسرار لا تعيرها للعابرين.. ولا تودعها إلا في قلوب ووجدان الذين احبوها وتأكدت من حبهم.

الينابيع فيها مثل الشرايين فهي التي اكسبت بساتينها الخضرة واعطت للمدينة والقرى التي تتدلى غربا وتلتقي نهاياتها العلوية بالسهول الفاصلة بين جبالها وصحراء الجنوب نظارة عزّ مثيلها.

من سيل الحسا شمالاً الى الفجيج جنوبا ومن الاغوار الجنوبية غربا الى الطريق الصحراوي شرقا تمتد اراضي المحافظة لتشكل ما يقارب الـ 2000كم2.. التي يصلح اكثر من نصفها للزراعة وتزخر بالعديد من المعادن التي لا تزال بحاجة الى برامج الاستكشاف والاستثمار.

عند تجوالك فيها تشعر بأنس وراحة لا تجدها في كثير من الاماكن الاخرى.. فالفضاء المفتوح وتضاريسها الحادة الجميلة تأسر الناظر وتذكي في الروح رغبة المغامرة. فما ان تطل على السفوح التي تحتضن القرى والبلدات حتى يخطف سحر الاودية السحيقة وجبالها الملونة ناظريك وتثار في نفسك رغبة التأمل والبحث والاستكشاف.

عشرات الشعاب والاودية الفرعية التي نحتتها مياه امطار الجبال المنحدرة نحو حفرة الانهدام وبحيرتها المالحة تزين الجبال الني تبدو في تداخلها مع الاودية كشعب المرجان الملونة في مياه الخلجان الصافية عند الاصيل.

آثار الامم التي استوطنت اراضيها باقية تدلل عليها عشرات الخراب التي بدت كمستوطنات في اعالي الجبال وعلى نمط يخالف اشكال استقرار اهالينا في القرى التي اقاموها على حواف المناطق الوعرة.

لذلك دلالات ليس اقلها ارتباط ابناء الحضارات السالفة بالزراعة في المناطق السهلية حتى قبل اختراع التكنولوجيا الزراعية.. وثانيها توافر مستويات من الاستقرار والطمأنينة والحماية قد يزيد على المستويات التي اجبرت الجماعات السكانية ان تختار مناطق وعرة تساعدها على الهرب من وجه الغزاة والمعتدين الذين كانوا يظهرون في مواسم جمع المحاصيل الزراعية للاستيلاء عليها.

في الطفيلة تراث روحي وديني وحضاري يعطي للمكان الكثير من الهيبة والقدسية والجلال.. فعلى ارضها ضريح اول مبعوث للرسول والذي ارسله للروم. فالشهيد الحارث بن عميرة الازدي هو الذي حمل رسالة الرسول الكريم الى الروم يدعوهم للدين واول المسلمين الذين دخلوا ارض الاردن وكان للاعتداء على رسول الرسول تداعيات ادت الى معركة مؤتة وتشكل تاريخ المنطقة.

على الاطراف الشمالية للطفيلة تم صلب حاكم معان الذي دخل الاسلام فقد كان فروة الجذامي من اوائل الذين اعتنقوا الاسلام في بلاد الشام وجرت معاقبته بالاعدام في منطقة عفرا اليوم.

الطفيلة ليست محافظة عادية فهي مهد حضارة الادوميون وجارة الانباط وحاضرة العلماء ومضارب قوم الشنفرى وملهمة خيال امرؤ القيس وعاصمة انتاج الغذاء المقدس فيها التين والزيتون وفيها قبور الاولياء واصحاب النبوءات. البلدة التي كانت تنتج غذاءها وتفيض على محيطها من القمح والكرمة والزيت. اقامت علاقاتها مع الخليل ويافا وغزة وارسلت الكثير من شعيرها وقمحها للبلدات المحيطة لتنجدها في عسرها.

طاب فيها الاستقرار للعلماء والشيوخ والدعاة.. فحل عليها المرحوم الشيخ احمد الدباغ الذي عرف اهلها واحبوه واحبهم ونشر فيهم اصول الدين وتنبأ بانه سيموت في الحجاز وكان له ذلك.

الشيخ موسى الكريري كان ضيفا عليها هو الاخر واقام فيها وبين اهلها فكان مؤذنا لمسجدها واماما لعقود.. الدباغ والكريري والخطيب موسى اضافوا الى المكان الكثير من مزاياهم في الخلق والطيب والنبل التي تمازجت مع طيب اهلها ونبلهم..

في كل الاحداث والنوائب والنكبات كانت الطفيلة حاضرة تتفاعل مع محيطها وواقعها وعيونها على الامة ومستقبلها...فمنها جاءت اوائل الاحتجاجات على وعد بلفور وبعد اربع ايام من صدوره... وقاتل اهلها العثمانيون الى جانب الثوار العرب في اهم معارك التحرير"حد الدقيق" فقتلوا واسروا العديد من الجنود الذين ارسلوا لاخماد عصيان الطفيلة بقيادة الجنرال العثماني حامد فخري. وغنموا بنادق ومدافع وخيول .

للطفبلة المكان والتاريخ والجغرافيا والثقافة تاثير على انسانها فهو كما قيل ويقال أنه صلب.. نبت من تراب خصب.. وشرب من ماء عذب...عرف عن ابناء الطفيلة الشدة والاستقامة والمجاهرة في قول الحق ونظافة اليد ونقاء السريرة...وربما ان ذلك ما يفسر تاليف النكت عليهم وتقبلهم لها واستخدامها فهم اناس محبون لاهلهم ولبلادهم وعروبتهم ودينهم وهويتهم.

قدمت الطفيلة للثقافة العربية العديد من الشخصيات الفكرية والثقافية والسياسية والعلمية والعسكرية..ففي مجال الادب والرواية يظل تيسير السبول علما من اعلام
الابداع الانساني التي شكلت نموذجا في التعبير عن تفاعل المبدع مع قضايا عصره وهموم امته لتقرأ في رواياته تاريخ مرحلة من مراحل الامة..وكما تيسير سعى سليمان
القوابعة بشاعريته ورقة احاسيسه ليرصد تفاعل الانسان مع المكان والزمان والتاريخ والثقافة في رواياته التي حول الانسان العربي في فضاءه الممتد من جبال اطلس الى غور الاردن واعالي الشراة.

في الشعر هناك العشرات من المبدعين من مختلف الاجيال فمن محمد المحيسن الى عارف المرايات واسماعيل السعودي وعبدالزاق الرواشده وعدنان عواد واحمد عطية السعودي وعدنان السعودي وهيشام القواسمة وغازي الربيحات...وغيرهم ممن لا تحضرني اسمائهم

وللفن التشكيلي الذي برع شباب الطفيلة( القوابعة والمرافيء )في نشره في فضاء الطفيلة العام بشكل جعل منه ابرز منجزات مشروع المدينة الثقافية لهذا العام. كذلك الموسيقى والفلكلور والشعر الشعبي والهجينة والمسرح الذي يعتبر الفنان حسن
السبايله احد نماذج توظيفه في رفع الوعي وتغيير الاتجاهات.

وفي مجال التعليم والانجاز الاكاذيمي والمعرفي اسهمت المحافظة بتقديم نماذج من العلماء والاكاديميين المبدعين في مجالات الهندسة مثل ليث الشبيلات والطب مثل جميل البدور وغيث الشبيلات من الرعيل الاول وعشرات الاطباء المبدعين من الشباب مثل احمد الحراسيس ويحي البداينة وغيرهم من الاطباء النابهين في كل المجالات .

ومن بين القيادات العشائرية و السياسية والفكرية والحزبية برز العشرات كان في طليعتهم ذياب العوران ومصطفى المحيسن وسعد جمعة وفي القيادة العسكرية كان بهجت المحيسن قائد وبطل معركة السموع احد الامثلة الملهمة للمئات من الشباب الذين ارتقوا الى اعلى مراتب القيادة العسكرية كالفريق محمد الرعود الذي شغل موقع نائب رئيس الاركان وسالم الربيحات نائب مدير الامن العام وعشرات القادة في المؤسسات الامنية والمدنية.

ولا يمكن ان تتحدث عن الطفيلة دون المرور على رموز الاستقامة والنزاهة والامانة التي جسدها محمد عودة القرعان وعبد خلف الداودية...والارث الذي تركاه للاجيال اللاحقة من الملتحقين في صفوف الخدمة العامة.

لقد استطاعت المحافظة التي منحت نصف اهلها لعمان والزرقاء والعقبة ونصف المتبقين منهم للجيش والتعليم والاجهزة الامنية ان تحافظ على هويتها من ان تتآكل تحت ضغوط الفقر والبطالة والتهميش...واستقبلت فكرة المدينة الثقافية بايجابية وتعاطت مع مشروعاتها.

واليوم وهي ترقب العد العكسي لانتهاء المشروع تتطلع الى تسريع الانجازات واستثمار المناسبة لتحقيق الاثر الذييتطلع له الشبان الطامحين في مستقبل لثقافة المدينة ومزاجها للبناء على ايجابيات تاريخها وسحرها واستعدادها للعطاء.

في الاسبوع الماضي سعدت الطفيلة باحتضان مؤتمر الجمعيات العربية للمكتبات الذي شارك فيه مكتبيين من الجزائر والاردن وفلسطين في سابقة تمازجت فيها الثقافة مع السياحة...وعلى اهمية المناسبة الا انها كشفت مرة اخرى مدى حاجة المدينة الى مرافق للضيافة والسياحة حتى لا يضظر زوارها البحث عن اماكن النوم خارج حدودها كما
فعل عشرات المشاركين.
كنا نأمل لو ان مشاريع التنمية الممولة من المنحة الخليجية تناولت حاجة المحافظة الى فنادق تقام بالشراكة مع القطاع الخاص لان تشجيع السياحة يحتاج الى بنى تحتية لرفد البيانات والخطط والدعوات.

واخيرا فان نجاح المدينة في الافادة من المشروع متوقف على قدرة ابنائها على التوظيف للمشروعات في تحفيز المدينة للتفاعل من اجل خلق حالة لا تنتهي بتسليم الراية للمدينة الثقافية التاسعة في المشروع الذي بدأ بالطواف قبل ثماني سنوات.

الجهود التي ينهض بها الاستاذ سالم الفقير ومن قبله الاستاذ عدنان السعودي تحتاج الى مؤازرة ودعم الجميع "فإن الله لا يغير ما في قوم حتى يغيروا ما بانفسهم"





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :