لا أسهل من فهم وإدراك ظاهرة إلتحاق شبان غربيين ،أوروبيين تحديداً، من أصولٍ عربية وإسلامية بظاهرة العنف الأهوج ،داعش والقاعدة والعديد من الأسماء الأخرى، الذي بات يضرب هذه المنطقة أكثر من غيرها والذي بات يهدد دولاً كثيرة بوجودها والذي أيضاً بات يرسم حدوداً جديدة غير الحدود التي رسمها إتفاق سايكس-بيكو اللعين الشهير.
فهؤلاء الشبان الذين بعضهم يمثل الجيل الرابع وأكثر لمهاجرين جاءوا إلى الدول الأوروبية وإلى الولايات المتحدة أيضاً فراراً من الجوع ومن القمع وجدوا أنفسهم يتمزقون بين ولاءاتهم القومية والوطنية والدينية القديمة وبين إنتماءاتهم الجديدة حيث لا تزال المجتمعات الغربية ترفض استيعابهم وترفض مساواتهم بأقران لهم أقل منهم كفاءات وأقل منهم تأهيلاً وأقل منهم إنغماساً بالأشغال «الشاقة» التي لم يدخل أطرها «البيض» إلاَّ في السنوات الأخيرة بعد إنفجار الأزمات الإقتصادية التي ضربت العديد من الدول الأوروبية.
ربما أن كثيرين لا يعرفون أن الهدف الحقيقي لإلحاق دول أوروبا الشرقية ،التي كانت ذات يوم قريب تابعة للمنظومة الإشتراكية بقيادة الإتحاد السوفياتي، بـ»الإتحاد الأوروبي» هو الخوف من طغيان المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين الذين تقذف بهم وبأعداد هائلة العديد من الدول الإفريقية والآسيوية وبالطبع فإن من بينها العديد من الدول العربية ،دول شمالي إفريقيا والمشرق العربي، والذين ربما يصبحون قوة إجتماعية وسياسية مؤثرة كما هو واقع الحال الآن في بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وهولندا وألمانيا وبعض الدول الاسكندنافية.
هناك ضمور هائل للأجيال الشابة في هذه الدول كلها وهناك غلبة للمسنين والمتقدمين في الأعمار في هذه الدول أيضاً وهنا فإن أكبر مثل على مدى الهواجس التي تضغط على الأوروبيين بالنسبة لهذه القضايا الخطيرة فعلاً هو أن هناك تقديرات مبنية على دراسات علمية استغرق إعدادها سنوات طويلة بأنَّ الإيطاليين ربما ينقرضون فعلاً في وطنهم إذا لم يتم تدارك الأمور بسرعة ورفع معدلات الولادات المتدنية قبل أن يصبح الشعب الإيطالي كله من العجائز الذين باتوا يشكلون عبئاً ثقيلاً على موازنة الدولة.
وبصراحة فإنَّ دافع كل هذا الإنفتاح على أوروبا الشرقية ،ذات نِسَبِ الولادات والتكاثر المرتفعة، سببه الخوف من أن تصبح هوية أوروبا مع طول الوقت واستمرار تدفق النزوج والهجرة الشرعية وغير الشرعية من إفريقيا وآسيا بهذه النسب المرتفعة والهائلة هوية اسلامية وهوية ملونين وهذا هو ما يفسِّر ظهور التنظيمات الشبابية الغربية المتطرفة التي تطالب بطرد الأفارقة والآسيويين من بلدانهم والتي تستهدف ما تعتبرهم «غرباء» ،رغم أنهم يمثلون الجيل الرابع وأكثر لهؤلاء المهاجرين، وتقوم بإعتداءات منظمة ضدهم.. وحقيقة أن هذا حصل وهو يحصل يومياً في معظم الدول الأوروبية.
وهكذا فإن مشكلة أبناء المهاجرين من أفريقيا وآسيا وغالبيتهم من المسلمين ،الذين من بينهم نسبة كبيرة من عرب المشرق والمغرب، أنهم مع طول الوقت واستفحال ظاهرة التنظيمات الشبابية الأوروبية المتطرفة والعنصرية غرباء في أوطانهم الجديدة وغير قادرين على العودة إلى أوطان آبائهم وأجدادهم القديمة ولهذا فإنَّ أعداداً منهم وصلوا حدَّ اليأس الذي دفعهم إلى الإلتحاق بـ»داعش» وغير «داعش» وهذا يتطلب وقفة حقيقية من دول أوروبا (الغربية) كلها وبالتعاون مع العديد من الدول العربية والإسلامية لحل هذه المشكلة قبل أن تصبح مستعصية على الحل.
(الرأي)