كل يومين يخرج علينا بيان في عمان، تارة باسم قبائل العراق، وتارة باسم قبائل سورية، ومرات قبائل الأنبار، ومرات قبائل حوران، وبينهما قوس من الأسماء.
انهارت الدول التي كانت تعد ظالمة وعرفية بنظر كثيرين، فلم نر بعدها تأسيسا لما هو احسن، بل خرج علينا الذين كانوا يبحثون عن دور طوال عمرهم من مكامنهم، وصرنا كل يوم نسمع عن يافطة جديدة.
كل شيخ قبيلة في العراق وسورية، يقدم اوراق اعتماده السياسية والامنية والاجتماعية والعسكرية، لدول الجوار، بصفته شيخ قبيلة يأمر وينهى، ويحرك جحافل المقاتلين.
عن اي دولة مدنية او عصرية نتحدث هنا، مادام بديل النظام الظالم، خروج القبيلة من اطارها الاجتماعي العام، كونها جزءاً طبيعياً عادياً في اي بلد، وتحولها الى عنوان سياسي هنا، يتعهد العمليات العسكرية، وتتحول الى عنوان حزبي سياسي، يضم تشكيلات مختلفة، في هذا البلد او ذاك.
هذه عودة الى ماقبل الجاهلية؛ لان التنافس بين القبائل والوكالة عن القبائل، سيؤدي الى حروب جاهلية، والى اشتعال المواجهات بين مكونات كل بلد، فقد بتنا امام صراع مذهبي وعسكري وميليشياوي، وقبلي ايضا.
ماعلاقة الاردن بهذه المجالس، ولماذا يحاولون جعل الاردن حاضنة لهذه المجالس القبلية، عبر تحرك وجهاء من العراق وسورية في الاردن، وتحشيدهم لعضويات في هذه المجالس، التي تبدو على ظاهرها مجرد عمل اجتماعي، لكنها في حقيقتها، واجهات بدائية لتجمعات مصالح واتجاهات نحن في غنى عن التورط معها، او حتى تصديقها، وقد سمعنا سابقا عن زعماء قبائل ادعوا قدرتهم على قلب الدنيا، فثبت لاحقا، ان كل هذا غير صحيح.
قبل يومين خرج علينا احدهم باسم قبائل سورية ليحتج عن وقف كوبونات المساعدات الغذائية للالاف من السوريين، فتسأل ماعلاقته اساسا بهذا الملف، ولماذا لايـأتي الاحتجاج من منظمات محلية ودولية، بدل تأبط زعيم المجلس القبلي لهذا الدور، لابسا عباءته، والدنيا على مشارف حرب كونية، باحثا عن دور هنا في عمان، فتسأل الله له الهداية، والا تطير عباءته تحت وطأة مصائب الاقليم؟!.
غيره -ايضا- من العراقيين يمارس ذات الدور في الاردن، سرا وعلنا، ونسمع دوما عن اسماء احدها زعيم لهذا القبيلة، وذاك زعيم لتجمع قبلي مذهبي، والحبل على الجرار، وهي واجهات لااحد يعرف -ايضا- كيف اثرت، ومن اين جاءت بالمال الغزير؟!.
هل يمكن هنا احلال المجالس القبلية عن الانظمة المتساقطة، ولماذا يراد انعاش القبلية بهذه الطريقة التي يصورها البعض كون ان القبيلة وحدها مؤهلة لمواجهة التطرف، وبديل عن النظام وعن كل التشكيلات الاخرى في هذه المنطقة؟!.
كان ممكنا ان نقبل تجمعات سياسية، تضم في عضويتها نوعيات نخبوية او شعبية من اي بلد، تمارس نشاطها في بلدها، بدلا من عصبية الدم التي لاتبشر -ايضا- بمستقبل افضل، والاغلب ان المشهد يستنسخ ذاته في قبائل ليبيا، وقبائل اليمن، والعداد مفتوح هنا. شعوب العالم وصلت المريخ، ونحن مازلنا نتصبح كل يوم بشخص ممدود الشارب، لاتعرف من اي مكمن خرج وقد ارتدى اللباس العربي، وعنون حاله بزعامة او مشيخة او مجلس قبيلة او قبائل، واشهر بضاعته علنا، في سوق تقديم الخدمات السياسية والامنية في المنطقة، وهذه امة مؤهلة بحق لمزيد من الانشطار، مادام بديل الظالم هنا، مجلس قبائل بلا تفويضات، بدلا عن دولة عصرية؟!.
(الدستور)