أشتاق لذلك الباب الخشبي..كم ابتعد..
طالع من حضن الجبل العتيق..
ومطل على المدينة القديمة
مئات القرون مرت وربة عمون تحرس نهر يبوق المقدس
إلى أن دعيت بفيلادلفيا وكان ذلك بعدما أسر أنطوخيوس الثالث جندي مستضعف من ربة عمون، دله على سر المياه
يروي جبل القلعة للزائرين والعابرين المارين على "سقف النهر" حكاية بناء معبد هرقل إذ يعتلي معبد بني عمون ويسترجع صدى أصوات تهرج على مسرح المدرج الروماني...
وما زال يروي يوم اهتاج أسد جائع...
لم تشبع نهمه الضحية..
فانفلت على العروس والجمهور من علية القوم.. ضيوف حاكم فيلادلفيا الرومانية... وقد أتوا لمشاركته فرحته بزفاف ابنته.
شرشف أبيض ناصع يغمر التلال.. الى جوار أبي أقف... يجرف الثلج.. ليفتح الطريق لبائع الحليب..
يغرف أبي من الثلج الهش ليملأ الصينية.. صب الدبس الأشقر من صفيحة معدنية... مزجهما معا..
ووضع الطبق الشهي أمامنا.. صدحت الملاعق والصحن وكرجت ضحكات متقطعة . .
"حرام الضحك والكلام مع الطعام" واحدة من ألف وصية من وصايا الأم .
اعتدت رؤية المدرج الضخم، بدا لي كصندوق مغلق يواري خلف بواباته أسرار حيوات ناس عاشت يوما هنا.. أرقب أطفالهم يلعبون في ساحاته.. فتى يتسلق المنحدر ليقطف وردة لابنة الجيران.. مشاجرة على النهر ومحب يلتقي حبيبته خلسة.
كنت أجوس المكان.. أبحث عن وقع خطوات هبطت أو صعدت الجبل.. أليوم أجوسه بحثا عني وعن أبي وأمي.. أشتاقهما..
ذهبت إلى قريبة لأمي لألقي عليها بأسئلتي.. لم تفارق الكتاب أو تتوقف عن قراءة الصحيفة اليومية..
قطعا ليس من أجل صفحة الوفيات فقط .
: لم يعد المكان كما كان يا ميمة.. بهذا النداء المحبب كانت تنادي محدثيها دائما.. كنا نحن الصغار يحلو لنا سماعه.. نقترب منها لتنادي علينا بميمة..
تسرح في الأفق من نافذة غرفتها المطلة على جبل الجوفة وقد كانت يوما شرفة مخضرة بالزريعة البيتية.. وتضيف بهمس : رحل أهل الجبل والآن صار ملاذا للعمال الوافدين من جنسيات مختلفة لرخص إيجارات البيوت..!
كم اكتظت أرض الديار بالنباتات فيما زهيرات شجيرة الياسمين تنثال نضرة تدغدغ الوجوه.
أتلفت حولي أبحث عن طاولة الطعام الخشبية المستديره ( الطبلية ) تزهو بأطباق أم إبراهيم الرائعة الصنع!
فلا أمسك شيئاً.
اقترب موعد وصول الجدة القادمة من رحلة الحج عن طريق البحر.
شارك الجيران الأم الفرحة بوصول الجدة ميناء العقبة.. باشر الرجال بمد حبال علقت عليها المصابيح الكهربائية الملونة فوق معرشات الدوالي.. الجارات ترش الأرض بالماء بين فترة وأخرى..
جمع الصغار الأغصان الخضراء لتزيين البوابة التي ستجتازها الحاجة..
ماء خروف كبير عرف من المشهد أن حياته قاربت على النهاية.
مع ازدحام المكان بالمهنئين.. انسللت وراء جمهرة من الأطفال الكبار.. سمعتهم يتهامسون.
لم أصدق أنني أقف على قمة الجبل.. طالما تقت إلى ارتقاءه. . لم أفعل بسبب الخوف.
الآن عرفت لماذا تبدو حجارة البيوت والأدراج عتيقة للغاية.. يبدو أنهم جاؤا بها من ركام الأبنية الغابرة..
أتأمل ما تبقى من جدران وأسأل الطفل المفكر الذي قادنا للمكان عمن سكن هذه البيوت المهدمة.
-: أخبرني أبي أن هذا المكان بقي مسكوناً بالناس لآلاف السنين..
وكانت المياه تحيط الجبل المياه من ثلاث جهات!
وأين غاضت المياه ؟ يرتبك المفكر.. يجيبني وقد شعر بورطة أن يطلق عليه لقب المفكر: خلصت!
كيف تخلص المياه... والمطر لم يتوقف عن تزويد الوديان منذ آلاف السنين؟
فيما كنت أغسل الصحون.. اقترب ابني مني.. أدار صنبور المياه للتخفيف من انهمار الماء.
هل أكون السبب في نضوب مياه مدينة المياه والمزارع !!!
*مدينة المياه والمزارع – وصف كان يطلق على مدينة عمان(ربة عمون) في العصور القديمة
rabeea.alnasser@gmail.com
shuhrazad.maktoobblog.com