.. نقرأ في كتاب امين هويدي «كيسنجر وادارة الصراع الدولي» ونشعر والعواصم العربية تودع وتستقبل زميله الوزير كيري، ان احداً لم يلاحظ حجم «الاستهبال» الذي مارسه ويمارسه الاميركان في المنطقة، وكأنهم يملكون ممحاة عجيبة للذاكرة القومية والوطنية، فبمجرد قيام كيسنجر بزيارته الاولى لمصر تغيرت صورة السياسات العربية التي اخذت بعداً خطيراً لأول مرة اثناء حرب اكتوبر وبعدها بقليل، فقد نجح كيسنجر في الضربة الاولى:
-باعادة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وواشنطن بعد انقطاعها منذ حرب حزيران، مما ادى الى عودة الصف العربي الى التمزق.
- انهاء الحصار على باب المندب ومنع مرور السفن الذاهبة الى ايلات او القادمة منها، وبذلك تم فتح الطريق الى النفط الايراني عبر خط (انبوب) ايلات – اشدود.. حتى لا تمر الناقلات من قناة السويس.
-اعادة فتح قناة السويس والتفريج عن ازمة اوروبا التي كانت تجارتها تدور حول الرجاء الصالح.
-السماح للبضائع الاسرائيلية بالمرور من قناة السويس.
-رفع حظر البترول، والمقاطعة العربية للولايات المتحدة.
-اعادة سفارات افريقيا الى تل ابيب، بعد ان قاطعت هذه الدول اسرائيل اثر ثغرة الدفرسوار، ودخول الجيش الاسرائيلي في جسم افريقيا.
- وفوق هذا كله، وهو اسلحة فتاكة بيد العرب، تحولت الولايات المتحدة من خصم يحاربنا الى جانب اسرائيل الى حكم وحيد بين الاطراف المتنازعة، ثم وضع نقاط مراقبة اميركية للمنطقة في سيناء باسم مراقبة فك الاشتباك، وازاحة «الصديق» السوفياتي عن المشهد كلياً..
كل ذلك، كان والقوات الاسرائيلية ما تزال في سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة!! ولم يعط كيسنجر الا وعداً بفك الارتباط، وسياسة الخطوة خطوة التي ما تزال مكانها.. ووارثها الى زميله كيري لما بعد اربعين عاماً!!.
من المهم ابقاء الذاكرة العربية حية لأن ما يجري الآن هو استعادة واستمرار لما جرى منذ بداية الكارثة الفلسطينية التي توسعت لتشمل سوريا والعراق ولتنتشر في افريقيا العربية وجنوب شبه الجزيرة العربية والسودان وليبيا وتونس والجزائر.. الخ.
ما الذي اراده هنري كيسنجر، وما الذي يريده كيري؟؟
شيء واحد لم يتغير وهو تعرية العرب من اراداتهم القومية، وتفتيتهم، وخلق كيانات تائهة لا علاقة لها بالعرب!! والأهم ان العرب لم يعد لهم حلفاء ولا اصدقاء لا في روسيا، ولا في افريقيا.. وماتت حركة عدم الانحياز، وانتهت الرابطة الاسلامية بعد ان وضعنا دين التوحيد في دائرة الارهاب!!.
(الرأي)