إذا قالت يهود فصدقوها، فهم العازفون والمايسترو في الفرقة الصاخبة التي تعزف دماً في المنطقة منذ العام 1917 وحتى يومنا هذا، وهم كذلك الجمهور الذي يصفق إستحسانا بالعزف الدموي التي يتساوق مع عقليتهم الإرهابية الدموية.
أما نحن وأعني كافة الكائنات الحية التي تعيش في المنطقة الواقعة ما بين الماء إلى الماء، لا نملك إلا أن نصفق لهم، منبهرين بصداقتهم وبالتطبيع معه وإلتهام منتوجاتهم، ومستمتعين بحور بعض نسائهم اللائي اعترفن بمهامهن الموسادية السرية المغلفة بفتاوى الحاخام الأكبر، وفي مقدمتها مضاجعة من يقع في المصيدة من صناع القرار العرب من أجل مصلحة إسرائيل.
مؤخرا صرح وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون أن إسرائيل لن تسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الفلسطينية، بل بكيان منزوع السلاح، ولم يأت على ذكر غزة التي يرفض المصريون حتى اللحظة بضمها لهم،لأن الغزيين بنظرهم من أصحاب المراس الصعب.
ما خطر ببالي أن أكتبه لم يكن بسبب تصريحات يعالون،بل هي قناعة مترسخة عندي منذ زمن، وجاءت بناء على إعمال العقل وتوظيف المنطق،والتجرد من العاطفة، فإقامة دولة فلسطينية ليست في مصلحة الأطراف الفاعلة في الإقليم،حتى لو رأينا الجميع ينزلون إلى الشوارع مطالبين بدولة فلسطينية.
ويجب علينا أن نفرق بين التصريحات المايكروفونية الرنانة، وبين ما يقال في الغرف المغلقة، وعندما يكون هناك مسؤول إسرائيلي أو أمريكي أو بريطاني، فهو في تلك الحالة، لن يكون ضيفا يسمع الإقتراحات بل هو صاحب القرار، والذي يملي ما يتوجب على المسؤول العربي فعله،بمعنى أنه يفرض مخطط بلاده ومن تمثل، ولا خيار له للرفض،وقد هدد مديرالسي آي إيه السابق جورج تينيث الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في الواي ريفر عام 2002، أن أمريكا تعين وتقيل الرؤساء؟!
من يتمعن في التصريحات الإسرائيلية وعلى كافة المستويات من صناع القرار،يخرج بنتيجة مفادها، أن لا دولة فلسطينية في المنطقة،وقالوا مرارا أنهم سيعطون تجمعا سكانيا يمثل عبئا على إسرائيل، وليسميه الفلسطينيون إمبراطورية،فهذا يتعلق بهم،أما إسرائيل فلن تسمح بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة،لأنهم أصلا لا يثقون بالفلسطينيين وقد سمعتها منهم وجها لوجه عام 1968،عندما أكدوا أنهم سينسحبون من الضفة الفلسطينية ذات يوم ولكنهم لن يسلموها للفلسطينيين بل للأردن،لأنهم يثقون بالأردن.
ورد في حوار صحافي أجريته مع السفير الفلسطيني السابق في تركيا د.ربحي حلوم في أوائل سبعينيات القرن المنصرم،أنه ونتيجة للمفاوضات السرية التي أجراها البعض مع إسرائيليين في الخارج، أن الإسرائيليين حسموا أمرهم مبكرا في موضوع الدولة،وقرروا علانية أمام المفاوضين الفلسطينيين أنهم سيمنحونهم فقط "قنّا" في باحة البيت الإسرائيلي.
ومع كل ماتقدم فإن بقاء القضية الفلسطينية بدون حل، سيشكل تحديات كبيرة أمام كل من إسرائيل وبقية دول الإقليم،وكافة الدول العربية الأخرى،لأنها ستصبح مثل قميص عثمان، خاصة وأن رياح التغير هبت كرياح السموم في المنطقة العربية منذ أربع سنوات، وهزت عروشا وأطاحت برؤوس،ودمرت بلدانا كان لها شأن ذات يوم،وها نحن على مذبح تنظيم الخوارج الجدد داعش الذي يمارس قطع الرؤوس علانية.
الحل المتاح والمطروح منذ زمن هو الكونفدرارالية والتي ستكون على مرحلتين، الأولى يقوم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مرحلة بدأت ملامحها تتضح، ويتلو على شاشة التلفاز الفلسطينية البيان التالي: "أيها الشعب الفلسطيني العظيم، لقد أصبح لدينا اليوم دولة مستقلة"، وعند ذلك سيعج الفلسطينيون بالتصفيق فرحين، وفي مرحلة لاحقة ربما لن يستطيع الشعب الفلسطيني إلتقاط أنفاسه من الفرحة بالدولة،سيظهر محمود عباس مرة أخرى ويقول:"أيها الشعب الفلسطيني العظيم، نحن وحدويون بطبعنا،ولذلك قررنا الوحدة مع الأردن".
ستكون الأمور قد جرى ترتيبها محليا وإقليميا ودوليا،وسنرى مشروع مارشال أوروبي جديد،إذ ستتدفق الأموال على هذه الكونفدرالية ليعوض الجميع عن فقرهم المدقع، وينسون ما آل إليه مصيرهم، ولا بد من القول أن هذه الكونفدرالية لن تكون فيها أغلبية فلسطينية، أو أردنية، لأن الأردن سيستكمل قبلها إستقبال العديد من المكونات العرقية والدينية في المنطقة،بمعنى أن الأردنيين والفلسطينيين سيصبحون رغم إندماجهم أقلية في بحر الأقليات التي تفتح لها أبواب الأردن.
بعد مرور وقت محدد على الكونفدرالية الأردنية – الفلسطينية، ستقفز إسرائيل عليها وتنضم إليها ليصبح إسمها كونفدرالية الأراضي المقدسة،وتكون هي السيد صاحبة كافة الحقائب السيادية،فيما نحن سيتم ترسيمنا خدما ليهود،وسيقبلوننا على مضض، فهم أصحاب الدولة اليهودية الصرف بفضل داعش.
قبل أيام صرح مسؤول فلسطيني كبير جدا أن الكونفدرالية الأردنية – الفلسطينية،أصبحت جاهزة على الخرائط الدولية،وسيتم الإعلان عنها قريبا جدا.
لا يغرن احد ما قام به البلمان البريطاني قبل أيام،فتلك الخطوة لزوم اللعبة التي بداتها لندن اساسا قبل قرن بعد أن أقنعتنا بطرد العثمانيين من المنطقة،وكافأتنا بسايكس –بيكو وبإسرائيل، وها هي لندن ذاتها ستكافئنا هذه المرة بمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو الوسيع لا فرق وبالدولة الفلسطينية.
وختاما فإن الدولة الفلسطينية التي نالت إعترافا على الورق من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا، ستكون مع حلول نهاية هذا العام أكبر دولة تحظى بالاعتراف الدولي ولكن...