العائلات المقدسية القابضة على جمر الرباط في القدس، تعاني أشد المعاناة من وحشية الاحتلال الصهيوني، الذي بدأ يصعّد من إجراءاته التهويدية على جميع المحاور ومن مختلف الوجوه، وقد جاءتني رسالة من إحدى هذه العائلات تفيض بالألم المبرح الذي لا تطيقه الجبال، حيث يتعرضون لمخطط تهويدي شرس، ومؤامرة خبيثة تجمع بين الحقد والمكر من جهة والاستثمار الذكي في الوضع العربي البائس، الذي يشكل فرصة أمام المشروع الصهيوني الديني الذي يستهدف المسجد الأقصى وفقاً لتعاليم تلمودية عقدية ترى أن إقامة الهيكل المزعوم يجب أن يكون في هذا المكان المقدس.
حيث تقول الرسالة، أنه يجري تنفيذ مخطط متصاعد للاستيلاء على بيوتنا وأرضنا في القدس القديمة، عن طريق فرض ضرائب باهظة علينا، لا نستطيع سدادها، ويفتعلون لنا قضايا مفبركة و مخالفات مزعومة، ويتم جرجرتنا إلى المحاكم «الاسرائيلية «التي يرأسها قضاة متدينون متعصبون، لديهم الأحكام المسبقة القائمة على العدوان والتعسف في استخدام النصوص القانونية المفصلة لهذا الغرض خصيصا، ويعاملون العائلات بمنتهى العنف والقسوة، وعندما يتم رفض الطلب من العائلات الفلسطينية التنازل عن أملاكهم للدولة اليهودية، تنهال الشرطة عليهم بالضرب والصفع والركل أثناء المحاكمة، وتقول الرسالة أن هناك طبيبة مقدسية مجاورة للأقصى، تتعرض للطلب والاعتقال بشكل متكرر، ويتم ممارسة الضغوط الشديدة عليها من أجل التنازل عن أملاكها للدولة اليهودية، وتتعرض للضرب والصفع حتى تصل إلى درجة الإغماء ويتم نقلها من قاعة المحكمة إلى المستشفى، ويجري ذلك تحت تعتيم صحفي وإعلامي خطير.
هذا كله مصحوب بحصار الشرطة للمسجد على مدار الساعة، ويعملون بشكل ممنهج على منع دخول المصلين المسلمين إلى المسجد، بما فيهم النساء والأطفال وكبار السن، ولا يقتصر ذلك على الشباب، ويعمدون إلى إدخال مجموعات من اليهود المتدينين إلى ساحات المسجد تحت حراسة الشرطة ورجال الأمن ليمارسوا شعائرهم الدينية في المسجد، ويقدمون إلى ضرب المصلين بالهراوات ويستعملون القنابل الدخانية والأسلحة المطاطية، واعتقال الناس بشكل جماعي، كما عمدوا إلى تجريد المحجبات من حجابهم، وجرهن على الأرض بطريقة مهينة، في سياق السير الحثيث نحو التقسيم الزماني بين اليهود والمسلمين للمسجد.
تقول الرسالة نحن نعيش حياة أقسى من الموت، تحت وطاة الإذلال الصهيوني غير المسبوق، ولذلك نحن نتوجه بالنداء إلى الأردن بوصفها المسؤولة عن حماية الأقصى والمقدسات، ونناشد كل الدول العربية والإسلامية،
وكل الشعوب والقوى السياسية، أن يلتفتوا إلى مجزرة التهويد التي تجري بحق الأقصى والقدس وكل المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس العربية، ونناشد كل المسلمين في العالم أن يلتفتوا إلى أقصاهم الذي باركه الله من فوق سبع سماوات، وأن يغيثوا حرائر الأقصى اللواتي يستصرخن صباحاً ومساءً : وامعتصماه...، نحن سئمنا الخلاف، وسئمنا الشعارات، وسئمنا السفسطة السياسية التي لم تثمر إلّا مزيداً من الضعف للمسلمين، ومزيداً من القوة للعدو الصهيوني الواحد لكل العرب ولكل المسلمين...(انتهت الرسالة)
شارون الذي دنّس أرض حرم الأقصى قبل سنوات عديدة وكان سبباً في تفجير الانتفاضة الثانية، أجاب على سؤال صحفي حينها حول المقصد من ذهابه إلى المسجد الأقصى، بقوله : «أنا لم أذهب إلى المسجد الأقصى بل ذهبت إلى جبل الهيكل» مما يتبين بوضوح لا لبس فيه أن ما فعله شارون والذي أصبح فيما بعد رئيساً لحكومة الاحتلال، يعبر عن مسار سياسي، للكيان الصهيوني ، وأنهم ينفذون رغبة دينية وسياسية عند المتدينين وغير المتدينين.
إن الكيان الصهيوني عمد إلى تصعيد خطوات لتهويد بحق القدس والأقصى في ظل تقديره للموقف العربي، من حيث اشتداد وتيرة العنف وحدة الانقسام أولاً، ومن حيث الانشغال في حروب داخلية تستنزف كل قواهم السياسية والعسكرية، مما يجعلهم غير قادرين على اتخاذ أي خطوة فاعلة ومؤثرة تجاه العدوان (الاسرائيلي) على القدس المحتلة وتجاه الأقصى الشريف.
المطلوب من العرب جميعاً أنظمة وشعوباً، والمطلوب من جميع القوى السياسية، الإسلامية وغير الإسلامية، المتطرفين وغير المتطرفين، الداعشين والمدعوشين، أن يعلنوا هدنة داخلية مؤقتة للتوقف عن القتال فوراً، والوقوف أمام الزحف التهويدي الصهيوني، وتأجيل الخلاف السياسي والديني والمذهبي والإثني، فهل يمكن أن يفعلها العرب، ويشكلوا سابقة في هذا الزمن البائس؟
(الدستور)