النهاية المزعومة لعصر الهيمنة الأميركية
د. فهد الفانك
17-10-2014 04:01 AM
لا يمل المفكرون والكتـّاب الأميركان من تكرار الحديث عن أفول نجم أميركا والتنبؤ بتراجع واضمحلال النفوذ الأميركي في عالم اليوم ، بل إن مجلة رصينة مثل فورين أفيرز خصصت في عددها الاخير حيزاً كبيراً لأميركا باعتبارها دولة في حالة تراجع واضمحلال.
يتكرر الحديث عن التمييز بين القوة العسكرية المباشرة ، وبين النفوذ أو القوة الناعمة. والمعروف أن أميركا كانت تلجأ للقوة المباشرة كخيار أول في فرض إرادتها كما كان يفعل جورج بوش بنتائج كارثية ، ولكنها أخذت تميل الآن في عهد باراك أوباما للاعتماد أكثر فأكثر على نفوذها في دفع السياسات والأهداف التي تريدها ، باعتبارها قيادة عالمية ، مع بقاء عنصر القوة وارداً كخيار أخير.
ما تحاول القوة الأميركية الناعمة أن تحققه في عالم اليوم هو أولاً: صياغة أجندة العالم في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية وحرية التجارة والانفتاح ، وثانياً: تحقيق الاستقرار الاقتصادي في العالم ، وثالثاً الرعاية الممثلة بخلق مؤسسات عالمية وصياغة أنظمتها وقوانينها بما يلائم مصالحها ، والتأثير على قراراتها ، وفي المقدمة مجلس الأمن الدولي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
حتى بعد التراجع الحقيقي أو المزعوم ، الذي يتحدث عنه الأميركيون فما زالت أميركا أقوى دولة في العالم ، وأكبر اقتصاد في العالم ، وما زالت تتربع على قمة النظام العالمي الذي يزعم البعض أنه آيل للسقوط.
وربما كان أهم العوامل التي تحفظ لأميركا مكانة الصدارة في النظام العالمي الراهن أن الدول الكبرى الأخرى مثل الصين واليابان وألمانيا وروسيا لا تنافس أميركا ، ولا تسعى لاحتلال مكانتها ، ولا ترغب في تحمل أعبائها.
أميركا تمارس نفوذها العالمي عن طريق مزيج من العصا (القوة الخشنة) والجزرة (المنافع الاقتصادية) ، فهي الدولة المانحة الأولى في العالم ، كما أنها تفرض عقوبات اقتصادية على 35 دولة ، الأمر الذي يجعل لمعظم دول العالم مصلحة في علاقة ودية مع أميركا أو تجنب غضبها.
من تجليات القوة الناعمة الأميركية الدولار كعملة عالمية ، والإعلام المرئي والمسموع والمقروء الذي يغطي العالم ، وأرقى الجامعات ، وأفضل المستشفيات ، والتقـدم التكنولوجي ، والاتصالات ، الأفلام السينمائية ، والمسلسلات التلفزيونية. وتخرج المطابع الأميركية نصف الكتب التي تصدر في العالم بأسره.
(الرأي)