تمر منطقة الشرق الأوسط وبالذات الشرق العربي بحالة يصعب وصفها بأقل من كلمة الفوضى، أو ما سمي «بالفوضى الخلاقة» على حد التعابير الأمريكية، فالحرب على الإرهاب في كل من العراق وسوريا تشكل العنوان الرئيس، فالموقف الأمريكي الذي يقوده التحالف الدولي في محاربة «دولة الخلافة الإسلامية» يركز على إنهاء تنظيم «داعش» في العراق وفي نفس الوقت لا تشكل له سوريا أولوية إلا في إطار تجفيف منابع الدعم والإسناد اللوجستي والمادي لتنظيم داعش واقتصاره على الغارات الجوية لمواقع التنظيم في سوريا والتي لن تؤدي للقضاء على هذا التنظيم، فلا زال هذا التنظيم يسيطر على أربع محافظات بالكامل ويتحرك بسهولة نحو السيطرة على عين العرب على الحدود السورية- التركية غير آبهة بالغارات الأمريكية قائدة التحالف الدولي، وجميع المحللين العسكريين يرون بضرورة وجود قوات على الأرض لمحاربة هذا التنظيم ومن دون ذلك لا يمكن القضاء على هذا التنظيم إنْ كان الأمر في سوريا أو العراق.
إن المؤشرات الأولية للاستراتيجية الأمريكية هو القضاء أولاً على التطرف والذي تقوده داعش في العراق والحالة العراقية ليست نتاج اليوم إنما هي نتاج الفشل الأمريكي عبر ما يزيد عن اثني عشر عاماً في العراق، فالحالة العراقية هي نتيجة للسياسات الأمريكية الفاشلة التي أسهم فيها كبار القادة العسكريين والسياسيين في وصول الحالة لما هي عليه الآن.
إن فشل العملية السياسية واعتمادها الطائفية لمكون على حساب المكونات الأخرى، والدستور الفيدرالي وشكل نظام الحكم وسياسات نوري المالكي أدت إلى عدم القدرة على التقدم وخلق الاستقرار السياسي. إن عملية بناء الجيش العراقي التي قامت على الميلشيات الطائفية لمكون واحد، وتشكيل الفرق العسكرية التي وصل عددها إلى 26 فرقة طائفية وشخصية وصرف عليها ما يزيد عن 25 مليار دولار سقطت أمام تنظيم داعش في ساعات، وعليه إن الضرورة القصوى لإعادة بناء الجيش الوطني العراقي وحل معظم الفرق العسكرية السابقة وإعادة تأهيل الجيش الجديد بعيداً عن أخطاء الماضي، ودمج كل مكونات المجتمع العراقي في بوتقة واحدة انتماؤها للدولة الوطن بعيداً عن الطائفية البغيظة.
إن مفهوم تشكيل قوات الحرس الوطني تأتي اليوم من باب الفزعة ونتيجة لفشل الجيش العراقي الذي استند للمليشيات أولاً ومكون اجتماعي واحد على حساب بقية مكونات الوطن، إن الفزعة اليوم لا تكفي فالمطلوب إعادة تأهيل جيش وطني مخلص للدولة وإعادة بناء مفهوم المواطنة القانوني، وإعادة تعديل الدستور وإلغاء كل المواد التي تنص على المحاصصة، ومن نافلة القول، إن النظام الفيدرالي لا يصلح تطبيقه في العراق مطلقاً إذ مر ما يزيد عن أحد عشر عاماً على تطبيقه ولم ينجح بل زادت الشقة بين كل المكونات ولم تستطع الحكومات المتعاقبة من بناء الدولة، وخلق الاستقرار فلماذا السير في نظام فاشل وأثبتت التجربة ذلك؟!
إن الحالة العراقية اليوم قبل غد تتطلب نظرة واقعية لحل المشكلات على الأرض وتحسين مستوى المعيشة للمواطن في شتى المجالات التي فشل النظام القائم في التعامل معها فنحن أمام عراق منقسم على ذاته يغيب عنه الأمن والاستقرار والسكينة بسبب رئيس هو الدوران حول الذات في عملية سياسية فاشلة وفساد رهيب لفئة واحدة على حساب كل الفئات وتدخلات إقليمية صارخة ودولية أكثر تأثيراً.
إن بناء الدولة يتطلب أولاً بناء التكامل الاجتماعي، أو الانسجام والوئام والسلم الاجتماعي بين كل المكونات، وتغلغل الدولة في المكونات ومعرفة احتياجاتها والقدرة على استغلال الموارد المادية والبشرية وتوظيفها في خدمة التنمية الشاملة، والثانية بناء الشرعية السياسية للنظام على أساس قانوني بعيداً عن الطائفية وهذا يتطلب تطابق سياسات النظام مع الناس، والثالثة بناء جيش وطني قادر عن الدفاع عن حدود الدولة وحفظ النظام العام، والأمن والاستقرار، إن كل هذا يتطلب حكومات واقعية فاعلة، ورجالا تتقدم لديهم مصلحة الوطن على حساب مصالحهم الشخصية ومتى تم ذلك فإن الخير والأمن سيعودان للعراق الجريح.