تصدر الخارجية الأميركية تقريرا سنويا عن حال حقوق الانسان في العالم وتضع تقييما لكل دولة على حدة بما ينطوي عليه هذا التقليد من تعالٍ ووصاية. والأهم استخدام سياسي معروف ينفع في تسليط الضغوط وفق حاجات الادارة في العلاقة مع مختلف الدول. هذا رغم أن حال حقوق الانسان في الولايات المتحدة نفسها ليست أفضل من كثير من الدول، ولنقل أوروبا الشمالية مثلا، لكن التقرير يعني دول العالم الثالث بصورة خاصّة التي شاءت أم أبت تصدر بحقها شهادة تقرر سمعتها الدولية.
مع تقارير المركز الوطني لحقوق الانسان في الاردن نستطيع أن نقول لكل التقارير الخارجية التي تحاكم حال حقوق الانسان عندنا شكرا: لدينا من هذا بضاعة محلية أفضل وأشمل.
بقراءة تقرير المركز الوطني للعام 2007 نحن بغنى عن كل تقرير أو تقييم أجنبي، فها هي مؤسسة وطنية معترف بها مستقلّة ومحصنة بقانونها الخاص الذي أراده الراحل الحسين في حينه على هذه الصورة التي تبعث على الاعتزاز، ها هي تصدر تقارير أكثر شمولا وشفافية وجرأة من أي جهة اقليمية أو دولية فيما يخص حال الحريات وحقوق الانسان في بلدنا.
يستند تقرير المركز الوطني الى امكانيات أكبر بما لا يقاس ومسؤولية علمية وعملية وحرص على المهنية تميزه عن أي تقارير محلية أخرى قد تصدر عن منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الانسان. فوضع المركز يضمن عدم التسييس أو التجيير وفقا للهوى السياسي مما يعطيه مصداقية وثقلا أكبر. ونذكر في أزمنة سابقة على نشوء المركز اننا كنّا نبدي ملاحظات انتقادية صريحة على نقص المهنية والتوثيق وبروز الهوى السياسي في تقارير مثل تلك التي كانت تصدرها (في حينه) المنظمة العربية لحقوق الانسان التي كانت التيارات السياسية تتنافس على مقاعدها وتتقاسمها وتؤثر على مهنية أدائها.
تقرير المركز لا يتوقف عند المفهوم الأضيق لحقوق الانسان، بل يتميز بالشمول ويعالج اضافة الى الحقوق المدنية الأساسية الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويعرج أيضا على حقوق العمالة الأجنبية وخاصّة العاملين في المناطق الصناعية المؤهلة والعاملات في المنازل.
ويرفق التقرير جداول بعدد الشكاوى وطلبات المساعدة وعدد الحالات التي تمّ اغلاقها بنتيجة مرضية أو غير مرضية والتي ما زالت قيد المتابعة، ويظهر من هذه التقارير نسبة تجاوب جيدة في حلّ تلك القضايا.
يسجل التقرير الملاحظات السلبية في مختلف المجالات منها مثلا تزايد حالات التعسف في استخدام صلاحيات التوقيف الاداري، ويناقش حال العديد من القوانين ويقدم التوصيات المناسبة، كما يرصد التطورات الايجابية مثل سحب مشروع قانون الجمعيات وتدني عدد الشكاوى من سوء المعاملة في السجون في الربع الأخير من العام واهتمام مديرية الأمن العام بمتابعة الشكاوى وإصدار دائرة المخابرات تعليمات لمرتبها تمنع الاساءة الجسدية والمعنوية للموقوفين، ولاحظ التقرير تصاعد النشاط المناهض لعقوبة الاعدام، وقد صدر خلال العام 14 حكما بالاعدام، لكن بحسب معلومات المركز لم ينفذ أي حكم منذ أيار عام 2006.
نهنئ المركز الوطني على تقريره الذي يسلِّح منظمات المجتمع المدني جميعا بالمعطيات التي تخدم جهودها، واذا كانت الخارجية الاردنية قد اهتمت بالردّ وتفنيد تقارير خارجية حول الحقوق والحريات، فهذا التقرير الوطني النزيه يستحق الاشادة والتقدير وأن تضع الحكومة توصياته برسم المتابعة لدى الجهات المعنية.
jamil.nimri@alghad.jo