حال القضية الفلسطينية في الخارج أفضل منها في الداخل؛ فبينما تصارع القوى السياسية على الساحة الفلسطينية للتغلب على انقساماتها وخلافاتها، بدأ العالم الخارجي ينظر بتقدير لنضال الشعب الفلسطيني، وحقه في التخلص من الاحتلال وبناء الدولة المستقلة.
بريطانيا التي لعبت دور القابلة في ولادة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، تسعى وبعد نحو 100 عام على وعد بلفور المشؤوم، إلى التكفير عن خطيئتها التاريخية بحق الشعب الفلسطيني. تصويت مجلس العموم البريطاني لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، وعلى رمزيته، يجسد لحظة تاريخية مهمة في مسيرة الفلسطينيين من أجل التحرر والاستقلال.
لم ينس العالم فلسطين وقضية شعبها العادلة، وسط أهوال المنطقة وانشغالاتها بالحرب على الإرهاب. لا بل إن ما تشهده المنطقة من ويلات، أيقظ ضمير دول كثيرة، بدأت تدرك الترابط الموضوعي بين التطرف والظلم الواقع على الشعب الفلسطيني؛ فقد ثبت بالوجه القطعي أن غياب العدالة في فلسطين هو المولد الرئيس للعنف والتطرف في المنطقة.
وفي أوروبا على وجه الخصوص، بدأت دول عديدة بالتململ من وضع إسرائيل كدولة فوق القانون؛ يحق لها ارتكاب ما يحلو لها من الجرائم، بدعوى أن الآخر إرهابي يقوض السلم العالمي. لم يعد هذا المنطق مستساغا في الغرب؛ فثمة شعور متزايد بأن سياسات إسرائيل الرافضة للسلام القائم على قرارات الشرعية الدولية، هي لب المشكلة في المنطقة.
السويد كانت أول دولة تطلق صرخة التمرد على السياسة القديمة للغرب، تبعتها بريطانيا، وها هي فرنسا تمهد لخطوة مماثلة تعترف بموجبها بفلسطين دولة.
عقد الدعم الأوروبي الذي كان يطوق عنق إسرائيل ويمنحها القوة والأمان، ينفرط تدريجيا. وقد لا نطوي العقد الثاني من الألفية الجديدة، إلا وتكون معظم الدول الغربية قد اعترفت بدولة فلسطين.
ستصبح الدولة الفلسطينية في غضون سنوات قليلة أمرا واقعا، وأقوى من "الفيتو" الأميركي في مجلس الأمن. ما يزيد على 130 دولة في العالم ستتعامل مع فلسطين بوصفها دولة، تقع تحت الاحتلال. هذا تطور تاريخي وانتصار لقضية الشعب الفلسطيني، لا يمكن لإسرائيل وأميركا تجاهله. بعدها، لن يكون أمام الاحتلال الإسرائيلي من خيار سوى الرحيل.
ليس مهما اليوم قول رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، بأن تصويت مجلس العموم لن يغير سياسة حكومته تجاه النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. المهم أن ممثلي الشعب البريطاني قد صوتوا بأغلبية ساحقة إلى جانب الاعتراف بدولة فلسطين.
تصويت رمزي؟ هذا صحيح. لكن قيمته الحقيقية في رمزيته التاريخية. فالفلسطينيون اليوم ليس لديهم دولة بالفعل، ولن يكونوا كذلك قبل رحيل الاحتلال. لكن عند اللحظة التي تعترف فيها الأغلبية الساحقة من شعوب العالم بدولة فلسطين، لن يعود للاحتلال قيمة أو معنى؛ لأن الدولة الفلسطينية تكون قد قامت بالفعل.
يفاخر الإسرائيليون بالقول إنهم لم يحتاجوا لأكثر من ثلاثين عاما بعد "وعد بلفور" ليقيموا دولتهم الغاصبة.
الشعب الفلسطيني سيفتخر بعد سنوات بكسر الرقم القياسي الصهيوني بعد "وعد" مجلس العموم البريطاني؛ عندما يعلن العالم كله الاعتراف بدولة فلسطين قريبا.
(الغد)