لم أتوقع ذات يوم أن أبقى مُتَسمرا أمام شاشة التلفاز لما يزيد عن الأربع عشرة ساعة .. ولم أتخيل أن أبقى في المنزل لما يقارب الأربع وعشرين ساعة .. كان يوما حافلا منذ ساعات الصباح الباكرة .. واقع مؤلم كنت أعيشه ونظري موجه باتجاه مستطيل لا تتعدى مساحته اثنين وثلاثين بوصة .. ظننت أني مغيب عن الحياة أو ربما أعيش في عالم آخر أو كوكب لا يقطنه سواي .. أمسك بيدي جهازا يسمى ب "جهاز التحكم عن بعد" وهكذا كان بالفعل ، تحكم بي على مدى أربع عشرة ساعة . مسلسل درامي عشته ولم أستفق منه إلا بعدما شاهدت جملة أمامي تقول : "برامج الغد" .. تأكدت حينها بان البث قد انتهى . مسلسل كان أبطاله كثر تعددت جنسياتهم واختلفت أشكالهم لكن الضحية واحدة .. وهي "أنا" .. اكتشفت بعد هذه التجربة أنني بالفعل أدمنتها .. نعم تأكدت بأنني ادمنت مشاهدة مباريات كرة القدم .
حلقات هذا المسلسل منها ما حملت أخبارا سارة ومنها ما آلمتني بأخبارها المحزنة .. منتخب فائز وآخر خاسر .. هذا اللاعب يحصل على بطاقة صفراء وآخر يطرد بالحمراء .. مشجع يخرج راقصا من الفرحة وآخر يودع الملعب بين شوطي اللقاء .. ولأن المحصلة أقرب إلى الجيدة منها إلى السيئة فإنني خرجت نوعا ما سعيدا . والحقيقة لن أجامل أي بلد عربي شقيق أو أنافقه حيث أن الفرحة الألذ بالنسبة لي كانت فوز النشامى على التركمانيين بثمانية أهداف دون مقابل !! عذرا بهدفين دون مقابل .. نسيت بأن ما لا يقل عن ست فرص خرافية سنحت للكتيبة الأردنية لكنهم ضلوا فيها الطريق إلى الشباك . وكان لاعبنا عدي الصيفي نجما مزدوجا في "عشق أباد" أرض الخصوم . تراه تارة يتلاعب بلاعبي المنتخب التركماني وتارة اخرى تتلاعب الكرة به فيهدر الفرصة تلو الأخرى . لكنه في النهاية أعلن عن ميلاد حقيقي لنجم أردني فذ . وكان زميله الواعد عبد الله ذيب ذيبا حقيقيا حين ينقض على فريسته رغم خبرته المتواضعة . ومعه ذيب آخر لا يقل شئنا وهو النجم عامر ذيب . وهناك في المرمى أسد يذود عن عرينه اسمه لؤي العمايرة . ومعهم فرقة موسيقية عزفت أجمل الألحان ب"عقلها" و"شيخها" و"وسيمها" و"سعدها" . كلهم كانوا رجالا وقفوا وقفة رجل واحد ليخرجوا من عنق الزجاجة ويقولونها صراحة "نحن قادمون" . ولإعطاء كل ذي حق حقه فإن البرتغالي فينجادا عرف من أين تؤكل الكتف ففاجأنا في اختياراته ولكنه في النهاية ضحك كثيرا لأنه ضحك أخيرا . ولكن أرجو أن لا تأخذنا الثقة بعيدا فلا زلت اعتبر أن خصمنا هذه المرة أيضا لم يكن خصما صعبا وبدءا من اللقاء المقبل سنكون أمام المحك الحقيقي .
تجربة لم تكن مختلفة كان أبناؤها العمانيون يرسمون أجمل لوحات النصر هناك في تايلند بفوزهم على أصحاب الأرض بهدف نظيف . هدف كانت حصيلته ثلاث نقاط أعادت الأمل للعمانيين الذين هُزموا على أرضهم أمام أشقائهم البحرينيين .. ولكنهم هذه المرة أشعرونا بقيمة الحلوى العمانية . أما نجوم الجولة فهم البحرينيون الذين عطلوا الكمبيوتر الياباني في العاصمة المنامة ليحصدوا العلامة الكاملة "ستة على ستة" من لقائين ويتصدروا المجموعة الثانية الصعبة . وفي دمشق الفيحاء كان اللقاء عربيا خالصا وانتهى متكافئا بين المنتخب السوري وضيفه الإماراتي لتزداد إثارة المجموعة الخامسة . ولكن منتخبا عربيا ثالثا ضمن هذه المجموعة كان يتعادل بشق الأنفس أمام أبناء علي دائي وزملائه سابقا ولكن في النهاية "نقطة أحسن من بلاش" . وإن لم يتقدم المنتخب الكويتي كثيرا بهذا التعادل إلا أنه ساعد شَقيقيْه الإماراتي المتصدر والسوري الوصيف . لكن المحزن هو الحال الذي وصلت له الكرة الكويتية التي كنا نتغنى بها في الثمانينات فمن منا نسي "هو يالأزرق" و "يا متكتك" و "هيدووه" . واقع الكرة الكويتية يدعو بما لا يدع مجالا للشك إلى إعادة ترميم البيت الكويتي الذي كان أبناؤه مُشَتتون في الملعب وحارسهم "الفضلي" لم يكن بأفضل حال . حيث ساهم وبقوة في تقديم هدفين على طبق من ماس –إن صح التعبير- لزملاء علي كريمي . حال الكويتيين بمساوئه كان أفضل من أشقائهم اللبنانيين الذين تذيلوا مجموعتهم الرابعة بصفرين ! صفر نقاط وصفر أهداف بعد جولتين مرتا كالكابوس . كابوس آخر كان مسرحه مدينة طشقند التي رقص أبناؤها حتى ساعات الصباح الباكر بفوز أقرب إلى الثأر أمام المنتخب الأكثر خبرة في البطولات العالمية في قارتنا الصفراء المنتخب السعودي ولم يكن لاعبوه سوى أشباح لمن اعتدنا مشاهدتهم ومؤازرتهم . فكان مرماهم يُدك بثلاثية نظيفة أربكت انجوس وفرقته . ولكن على كل حال جاء الإنذار مبكرا هذه المرة كي تُصَحح الأخطاء قبل سقوط الفأس بالرأس . موقعة عربية خالصة أخرى كانت تحتضنها دولة قطر وفيها كان نجوم العنابي بأحسن حال وعلى العكس تماما كان ضيوفهم أبناء الرافدين في غيبوبة طيلة تسعين دقيقة كان خلاصتها هدفان في مرمى نور صبري . ليصاب عدنان حمد بخيبة أمل في أول تجربة له بعد الاستعانة به من جديد . أما التنين الصيني فكان يحقق تعادلا أمام المنتخب الذي وصف بأنه يغرد خارج السرب الكانجارو الاسترالي ولولا إهدار الصينيين لركلة جزاء في الدقيقة الأخيرة لتاه الكانجارو في غابة المجموعة الأولى . المهم أن هذه النتيجة كانت في مصلحة المنتخبين الشقيقين القطري والعراقي .
تلك هي كرة القدم !! "يوم ليك ويوم عليك" .. كما تقول الفنانة "ذكرى" رحمها الله وأظن بأن كل شيء ممكن بدءا من الجولة القادمة . وكل التوفيق للمنتخات العربية العزيزة .
آراء عابرة ...
تعادل الكوريتين برأيي الشخصي ليس في مصلحة النشامى . ولنكن منطقيين فإننا بحاجة لخسارة كوريا الشمالية لأنها منافستنا الأولى على البطاقة الثانية عن المجموعة الثالثة .
خسارة المنتخب السعودي كانت معنوية فقط ! لأن عدم تأهل المنتخب السعودي في مجموعة سهلة كهذه يعتبر ضربا من الخيال والله اعلم .
أعجبني تنظيم وتصوير مباراة قطر والعراق وإخراجها بصورة متقنة تماما إضافة إلى جمال ملعب نادي السد وعلى العكس تماما كان ملعب نادي الكويت يذكرني بملاعبنا في الأردن إضافة إلى سوء الإخراج والتصوير .
بدأت اتأكد من صحة مقولة أن المنتخب العراقي قوي في البطولات المُجمعة فقط ! أما في مباريات الذهاب والإياب فهو على النقيض تماما .
أعجبتني الخدعة الماكرة التي قام بها المدير الفني للمنتخب الاردني فينجادا بتغيير أرقام لاعبي منتخب النشامى مما أربك لاعبي منتخب تركمنستان . ولكن الضحية أيضا كان المعلق محمد المعيدي الذي اختلطت عليه قمصان اللاعبين.
habeeb1978@hotmail.com