الاعلام ومنظومة الشفافية في الاردن
د.حسام العتوم
15-10-2014 06:26 PM
- ليس صحيحا أن وطننا الغالي الاردن لم يتطور على مدى حوالي قرن من الزمن وعلى مستوى بنيته التحتية ومنها الاعلامية، فلقد جرى التطور المنشود بتسارع عبر المملكات الاربعة رغم الاهتزازات السياسية والعسكرتارية المتلاحقة منذ حرب ال1948 وما قبل ذلك والى يومنا هذا، والاجيال السابقة والحالية التي رحلت أو مازالت تتنفس الهواء خير شاهد، فمن يلاحظ إمتداد صروح العلم الان على طول مساحة الوطن ما كان يمكن أن يلحظها لو أنه عاش بدايات الستينات أو قبلها، ومن تتلمس عجلات مركبته شوارعنا المعبدة في العاصمة والمدن والارياف والبوادي ما كان يمكن أن يكون له ذلك قبل نصف قرن من الزمان، وهذا الجيل من الاردنيين الذي يتعامل بمهاره عاليه مع الانترنت والفضائيات ما كان بإمكانه ذلك لو ولد ليس في بدايات الامارة ولكن قبل مرحلة التسعينات وقس على ذلك في ميادين الطب والزراعة والصناعة والتجارة وفي غير مجال.
الشفافية الإعلامية التي ناقش ملفها رؤساء التحرير وزملاء المهنه مؤخراً هنا في عمان من زاوية القانون والعمل الميداني وبعيداً عن أصوات المؤسسات الاكاديمية الاردنية التي تدرس الاعلام لم تعطى كامل حقها في النقاش ولا مفر من التعاون دائماً مع المؤسسات ذات العلاقة وبتوازن، وإذا ما عدنا لإعلامنا الاردني في الماضي أي قبل عام 2003 مثلاً نجد بأن أعماله كانت محكومة في إطار توجه وزارة الاعلام وإدارتها المركزية وبقي متأثراً بضعف البنية التحتية الضاغطة أنذاك وبشكل ملاحظ على البناء السياسي والاعلامي رغم الصمود والتحدي لدرجة أن الباحث الانجليزي دانيال ليرنر في سبعينات القرن الماضي حاول أن يرحّل التنمية الى الاردن دون الانتباه للفجوة القائمة بين إعلامنا وجمهورنا وبعده عن الميدان، وفي منتصف التسعينات وتحديداً عام 1996 أطلق الدكتور مروان المعشر وزير الإعلام صيحته الإعلامية الداعية لإعادة بناء الاعلام بعد رصده لسلبياته ولفجوته مع ناسه في الاردن وكان سباقاً في إقتراح حل وزارة الاعلام والتجديف بإتجاه اللامركزية الاعلامية والتحول من كل ما هو حكومي في هذا المجال الى عمل على مستوى الدولة والوطن وهو ما تم إعتماده منذ حكومة فيصل الفايز عام 2003 .
إذا أردنا أن نفحص الشفافية الاعلامية في بلدنا فعلينا أن نتحسس البيئة الديمقراطية متشابكة الاطراف بين السياسة والحزبية والقانون والاقتصاد والمفاهيم الاجتماعية الراسخة في عمق عاداتنا وتقاليدنا، فلا شفافية من دون إنفتاح سياسي على الداخل والخارج، وهي لن تكون كذلك من دون تفعيل أو إعادة النظر بالقوانين الضابطة لحركة الصحافة والاعلام إبتداء من المادة 15 من الدستور الاردني ومروراً بقانوني المطبوعات والنشر ونقابة الصحفيين وميثاق الشرف الصحفي وإنتهاء بقانون حق الحصول على المعلومة والمادة 13 منه ; فالمادة الاعلامية الدستورية لدينا كلفت الدولة بضمان حرية التعبير ورأي المواطن وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الاعلام بحدود القانون، وربطت تعطيل الصحف بأمر القضاء، وتحديد أسلوب الرقابة وهي أمور بحاجة لتفسير وتفعيل من قبل الحكومات التي تشكل وأستراتيجيات أعمالها المرتكزة أصلاً على الدولة الواحدة برمتها فتعليقات المواطنين وردود أفعالهم على ما تنشره المواقع الالكترونية لازالت ترعب المواقع نفسها .
ميثاق الشرف الصحفي الصادر عن نقابة الصحفيين أكد على حق الشعب والافراد في حرية التعبير والحصول على المعلومات الصادقة، وعلى إحترام حق الافراد والعائلات في المقابل في سرية شؤونهم الخاصة وكرامتهم الانسانية، والإبتعاد عن الإثارة في نشر الجرائم والفضائح والالتزام بالقيم الدينية والاخلاقية للمجتمع، والدعوة لعدم الخلط بين المادة الاعلامية والإعلانية، والمحافظة على سرية مصادر المعلومات والتحقق من الأخبار قبل نشرها، والإبتعاد عن الاساليب الملتوية وغير المشروعة في الحصول على الاخبار والمعلومات ومراعاة حقوق الفئات الاقل حظاً وحماية الاطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وحق الصحفي في الحصول على المعلومة من مصادرها المختلفة الى جانب العديد من التوجيهات القانونية التفصيلية الاخرى التي تناسب الدولة والمجتمع معاً، وأضيف هنا كما يكون المجتمع يكون الاعلام وبإمكان الاعلام أن يلعب دوراً قيادياً في تطوير المجتمع لنقلة من مفاهيم الاستهلاك الى الانتاج، وقانون نقابة الصحفيين المعدل لعام 2014 يحتاج للتركيز على تنفيذ بعض مواده مثل المادة 16 التي نصت على ضرورة عدم جواز إستخدام أي مؤسسة صحفية أو علامية في المملكة لأي شخص في أي عمل صحفي إذا لم يكون من الاعضاء المدرجة أسماؤهم في سجل الصحفيين الممارسين، وفي مثل هكذا ممارسة حماية اكيدة للدولة والمجتمع وللشفافية المنشودة أيضاً، ومن مؤشرات الشفافية الهامه في الاردن إلغاء دائرة المطبوعات والنشر وإعادة هيكلة مؤسسات ودوائر حكومية لسنة 2014 والقدوم بهيئة الاعلام بإعتبارها مرجعية ناظمة للمرئي والمسموع والمطبوع ورافعة لسقف الحرية من دون الحاجة للتدخل في أساليب البث والنشر و الرقابة ، وقانون المطبوعات والنشر أصبح خاليا من الخطوط الحمر والثوابت الوطنية الكبيرة المعروفة لعامة الصحفيين والمواطنين أيضا، والقانون هذا برمته مجمد العمل به الان لحين صياغة قانون شامل جديد للمرئي والمسموع والمطبوع معا .
قانون رقم 47 لعام 2007 لضمان حق الحصول على المعلومات أكد في مادته رقم 13 وبنقاط تسعة وجود ممنوعات ساخنه وهامه هي في مجملها لصالح الدولة وحكوماتها وليست لصالح العمل الصحفي والاعلامي ومنه الاستقصائي بالطبع مثل وثائق الدولة السرية والمراسلات الشخصية والسرية ايضا والتحقيقات القضائية والامنية، وأي معلومات ذات طابع تجاري وسياسي، وهنا بإمكان الدولة أن تتراجع عن بعض هذه النقاط ذات الطابع التجاري منها أولا التي تعيق الكشف الاعلامي عن الفساد مثلا وترفع من سقف الشفافية والحرية وثقة الرأي العام الاردني بنفس الوقت.
الربيع الاردني ومنه العربي بمجمله متوقف في حراكه المستقبلي على مدى قدرة الاعلام على ممارسة الشفافية أثناء دوره الرابط بين الدولة والمجتمع وبالعكس، فمن حق الدولة عبر إعلامها الناجح أن تتابع بوضوح قضايا الشارع، ومن حق الناس متابعة قضايا الدولة بنفس الوضوح، والرد الفوري على رسائل بسطاء الناس ومن دون إهمال لها عبر ماكنة الاعلام والمسؤولين أمر في غاية الاهمية لإنجاح الشفافية والديمقراطية من جديد معا، حمى الله الاردن بقيادة مليكنا المفدى عبدالله الثاني بن الحسين والله من وراء القصد .