مسؤول في صندوق النقد الدولي، يشغل موقعا يفترض أنه يجعله ملمّاً بمختلف تفاصيل الأحوال الاقتصادية في الإقليم، يؤكد أن الحرب القائمة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لم تؤثر على الأردن اقتصاديا.
وهو إذ لا يفسر رأيه هذا، إلا أنه يستطرد في شرح تبعات اللجوء السوري على المملكة؛ وفي ذلك تناقض كبير!
الكلام مفاجئ، ويفسَّر من بابين؛ أن الخبير لم يقرأ درسه جيدا، أو أنه أراد مجاملة الأردن. وفي ذلك تذكير بمسؤولينا الكبار الذين أمطرونا بتصريحات مشابهة حينما وقعت الأزمة المالية العالمية في العام 2008؛ إذ أكدوا غير مرة أن الأردن بمنأى عن تلك الأزمة وتبعاتها.
في التصريحات التي أدلى بها مدير إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي مسعود أحمد، أكد أن التوقعات الاقتصادية بشأن الأردن لم تنخفض، كونها غير متأثرة بما يحصل في العراق؛ وفي ذلك بُعدٌ تام عن الحقيقة، يفضي إلى ضرر كبير. إذ هو "تقدير" ينطوي على حالة إنكار للآثار السلبية لما يحدث في الجارتين الشمالية والشرقية للمملكة، يؤدي إلى تأخر العلاج إلى حين تفاقم المشكلة إلى مستويات أخطر.
كلام المسؤول الدولي جاء على هامش الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدوليين في واشنطن العاصمة، قبل أيام، حيث ينقل مشاركون في الاجتماعات أن المزاج هناك غير متفهم لأوضاع الأردن، وغير مقدر لخسائره من الأحوال الإقليمية، وتحديدا الحرب ضد "داعش"، وأزمة اللجوء السوري التي رفعت عدد المواطنين السوريين في المملكة إلى نحو 1.6 مليون نسمة، بين مقيم ولاجئ، مع ما لذلك من أثر سلبي على الخدمات الأساسية، وتوفر فرص العمل، وغيرهما.
كلام مسعود بشأن التبعات المترتبة على الأردن نتيجة لتحركات "داعش" والحرب الدولية عليه، غير دقيق. إذ تُظهر مختلف القطاعات المحلية تأثرا كبيرا بدأ يظهر منذ نحو شهرين. من ذلك، السياحة الوافدة؛ إذ تم إلغاء حجوزات الأجانب القادمين إلى المملكة، ضمن مجموعات سياحية أو أفرادا، بنسب تجاوزت النصف، بسبب التعميم وعدم تمييز السائح بين دول المنطقة التي ينظر لها من الخارج كوحدة واحدة؛ فعمان الآمنة لا تختلف كثيرا بالنسبة لهذا السائح عن دمشق التي تسيل فيها الدماء يوميا؛ كما لا تتمايز بشكل كبير عن بغداد التي نخشى بين لحظة وأخرى أن تقع في يد "داعش"!
وقطاع النقل لم يكن أحسن حالا؛ إذ تراجع النقل البري وحركة الشاحنات مع العراق إلى حدّ الاقتراب من التوقف التام، نتيجة مخاوف السائقين من القتل على يد التنظيم. فعدد الشاحنات المتجهة إلى الجارة الشرقية تراجع من 500 إلى نحو 15 شاحنة يوميا، ما يؤثر على قيمة الصادرات للعراق، والتي تقدر بحوالي 900 مليون دينار سنوياً. هذا فيما كانت الحركة مع دمشق قد توقفت قبل ذلك بأمد طويل نسبياً.
في خضم ما يجري في سورية والعراق، كما انقطاع الغاز المصري، وكل النتائج الكارثية للأحوال الإقليمية المتأزمة سياسيا وأمنيا، يخرج علينا "الخبير" الدولي ليؤكد أن الأردن سليم، لم يتأثر بالحرب ضد "داعش"، وهي الحرب التي تشير معظم القراءات إلى أنها ستستمر لسنوات طويلة.
الأثر الأهم والأخطر للحرب على "داعش" داخلي، ويتمثل في حالة القلق التي يبثها حضور التنظيم والحرب ضده في نفوس المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، وبالتالي تأخير القرار الاستثماري لحين انجلاء الصورة، بما يؤثر بالنتيجة، بشكل سلبي عميق، على عجلة دوران الاقتصاد ونموه ككل.
غريب، كل هذا والمسؤول الدولي يؤكد أننا لن نتأثر بالحرب على "داعش"!
(الغد)