وسط زحام الدنيا الغرور وتكالب البشر على مغانمها الزائفه ، وفي لجة القتل والتشرد والحروب المستعرة التي تفتك بالعرب والمسلمين على وجه الخصوص وبأيديهم هم انفسهم قبل ايدي سواهم ، يطيب للنفس أن تتفكر في عظمة الله سبحانه وتعالى في هذا الكون الواسع ، بعيدا عن حديث السياسة وشؤونها ، خاصة وقد غدا شعبنا الكريم كله منغمسا وبالكامل في التحليل والتقرير الى الحد الذي بات كل مواطن فيه يملك المفتاح السحري لحل مشكلات البلاد والعباد دون غيره من سائر خلق الله جلت قدرته .
في هذا المقام اتحدث عن ظاهرتين عظيمتين في هذا الوجود العظيم بقدرة الواحد الاحد ، الأولى عن التعددية والالوان والثانية عن الهوية الصوتية للانسان ، والهدف هو القناعة لمن يريد ، بأن لهذا الكون خالق عظمته لا تدانى بيده كل أمر ، وان هذا الكون وببساطة هو اشبه ما يكون بمعمل ضخم صنعه صانع هو مسيره ومشغله الى أجل مسمى بإذنه وإرادته وحده سبحانه .
معروف ان عدد الالوان الاساسية في هذا الوجود سبعة الوان ، وما عداها هو نتاج مزج اي منها بآخر او اكثر ، وللانسان ان يتصور لو كان الكون كله من لون واحد ، ولنقل الابيض مثلا كلون موحد للبشر والشجر والحجر والسماء والكواكب وكل الموجودات ، فهل يمكن للانسان ان يبصر ويرى ساعتها ، وهل ستكون هناك حياة على هذا الكوكب ، وبالقياس ذاته ، فلنتصور ان الارض كانت كانت كلها صحراء منبسطة لا جبل ولا وادي ولا اية تضاريس أخرى فيها ، فهل يمكن للانسان ان يستدل او يتحرك فيها بهدى من مكان الى آخر ، ام هو موجود عندها في مجرد صحراء لا يدرك فيها سبيلا او إتجاها ، وهل ستكون هناك حياة عند ذلك .
إذن هي التعددية والتنوع سبب وشرط لا بد منه كي تستقيم الحياة وتدور عجلة الحياة الدنيا ، وما ينطبق على هذين الثابتين الالوان والتضاريس ينطبق بالضرورة وبإرادة الله لا البشر على كل أمر آخر في حياتنا ، فالتعددية والتنوع يثريان الحياة ونقيضهما فقر فيها وحتى إستحالة لأن تستقيم .
أما الهوية الصوتية للانسان فمن حكمة الخالق جل في علاه ، ان الانسان يعرف الآخرين بأصواتهم حتى لو لم يراهم ، لكنه يعجز عن معرفة صوته ، فبمقدوره ان يعرف ان الشخص الآتي من الخارج او المتحدث هو فلان حتى دون ان يراه ، ودليله الى ذلك هو الهوية الصوتية لذلك الفلان الذي عرفه من قبل ، اما لو اسمعته صوته مسجلا فسيسأل من هو المتحدث ، وحكمة الله في هذا ان الانسان لو عرف صوته كما يعرف اصوات معارفه لما تمكن من التركيز عندما يتحدث الى غيره ولانشغل دماغه وتفكيره بصوته ولتلعثم في الكلام وتوقف عنه من حيث لا يدري ، وببساطه لما كانت هناك إمكانية للكلام والتفاهم بين بني البشر .
هاتان آيتان من مليارات الآيات الدالة على عظمة الله سبحانه وتعالى ، وهي آيات في النفوس وفي الآفاق لا يتعامى عنها الا ضال او مضل غافل اقنع النفس الامارة بالسوء بأن الحياة الدنيا هي بداية المطاف ونهايته ، فقد ظلم نفسه وتوهم انه دون سائر الخلق لن يموت ، فالناس في فهمه جميعا يموتون اما هو فالى خلود دائم ، ولهذا فهو يحيا للدنيا وحدها ، ويطلق العنان للنفس لشتم هذا وإستغابة هذا والنفاق لهذا وإقصاء هذا وتهميش ذاك والحرص على الاستحواذ على كل شيء من مغانم الدنيا الزائفة وما درى أن الله العزيز الجبار القهار ذا البطش الشديد الفعال لما يريد ، هو سبحانه بالمرصاد حاشى ان تغيب عن قدرته غائبة ، وأن لحظة الموت العظيمة آتية لا محالة يوم لا ينفع جاه او مال او بنون الا من أتى الله بقلب سليم ، واين معظمنا وانا منهم من مكرمة القلب السليم في هذا الزمان ولا حول ولا قوة الا بالله ، وهو سبحانه من وراء القصد .