اجْهَلْ نفسك كي تَنْجو !!
خيري منصور
14-10-2014 03:17 AM
من يجهل نفسه وجاره وزميله وحتى زوجته وأبناءه وبناته لا ينتظر منه ذات يوم أن يصرخ في الحمام أو حتى في المطبخ على طريقة ارخميدس قائلاً: وجدتها!!
لهذا فكل ما يكتب ويقال عن ضرورة فهم الآخر لا معنى له، اللهم إلا إذا كان هذا الآخر هو الذات وقد تعددت في المرايا، وحين وعظ الفيلسوف الإغريقي الإنسان في زمانه ومن بعده بأن يعرف نفسه أولاً كان بالفعل قد اهتدى إلى ذاته لهذا كانت التكلفة لهذه المعرفة بالنفس باهظة، وهي عقوبة الموت من خلال تجرع كأس من السم.
والأرجح أن موعظة سقراط دفنت معه، لأن معظم ما جرى في التاريخ من حروب ونزاعات أهلية، واحتلالات كان من إفراز ذهنية تتأسس على عدم فهم الذات والآخر معاً، لأن معرفة النفس تحررها من الأنانية إلى حد بعيد وتعلم الإنسان أن يضع نفسه مكان الآخرين أو في أحذيتهم كما يقول مثل إنجليزي قبل أن يحكم عليهم. لكن جهل الذات يوهم الإنسان بأنه استثناء من كل الأحياء، فهو خالد وأبدي لأن الموت للآخرين فقط، وكذلك الفشل والمرضى والشيخوخة وأحزان الفقدان.
ومن أهم التحليلات السايكولوجية للطاغية هو سقوطه في وهم الخلود لهذا يتصرف كما لو أنه سيعيش أبداً فقط.. ويحذف كل ما له علاقة بموته غداً أو بعد غد!
وما كتب حتى الآن باللغة العربية عن أحوالنا النفسية بدءاً مما كتبه د. علي زيعور عن الذات العربية الجريحة وما كتبه د. مصطفى حجازي عن الذات العربية المقهورة والمهدورة يبدو أنه لم يكتب لنا لأننا ببساطة لم نقرأه وإن قرأناه فذلك على سبيل التخيل بأن هؤلاء يتحدثون عن شعوب من خارج هذه الجغرافية.
وقد يعترض على هذه الأطروحة جذرياً البعض ممن يقولون لنا.. أين هي الذات أولاً كي نعرفها؟ وبعض هؤلاء سخر من المسألة كلها وقال ان العربي الآن مجرد نسمة في تعداد ديمغرافي وليس مواطناً لأن شرط المواطنة هو الوطن فأين هو هذا الوطن خارج النشيد والأغنية والورق؟
لن نذهب بعيداً في هذا السجال لأن النار التي تقترب منا بدأ لهيبها يلفح وجوهنا لكن للأسف ثمة من يهربون من هذه النار إلى الرمضاء تماماً مثل كريستو الذي حفر أعواماً في جدار زنزانته ليجد نفسه في زنزانة مجاورة أشد ضيقاً وأكثر ظلاماً ورطوبة!!
(الدستور)