للعمل في المهنة الصحافية جوانب قد لا تكون معروفة للعموم، منها القيادة ليلا. لذلك جوانب ايجابية، فالطرقات تكون أقل ازدحاما، السكينة والهدوء مطبقان، قلما تشاهد ما يؤذي العين أو الذوق. وهناك جوانب اخرى، فالطريق لا شك موحش، وغالبا ما يكون تعب النهار والنعاس قد أخذا منك كل مأخذ. ولكن في كل مرة أواجه فيها بإشارة مرور حمراء تنتابني مشاعر متباينة، الطريق مقفر فلا ترى أحدا، وللموقف رهبة وأنت وحدك تماما، تتنازعك الأفكار فمن غير المنطق أن تقف هنالك محترما قوة الإشارة الحمراء والوقت يمر، ما يسبب ضيقا وانزعاجا. تهم بمتابعة السير على الرغم من حمرة الإشارة، ولكن ذلك أيضا يثير شعورا في النفس غاية في الإزعاج، فتحسم أمرك وتحترم القانون، ولو في منتصف الليل حيث لا رقيب ولا حسيب عليك سوى نفسك، لأن ذلك أقل الضيقين. من الواضح أننا نحمل خطوطنا الحمراء في ثنايا أنفسنا.
كل ما في الحياة يتعلق بالخطوط الحمراء. تنشأ هذه الخطوط الحمراء مع الشخص وتنمو معه منذ نعومة أظفاره. كأطفال تعلمنا من آبائنا ومعلمينا ومرشدينا التمييز بين الجيد والسيئ والبشع في هذه الحياة.
تساعد هذه الخطوط على رسم شخصية الفرد، وتضع أسس احترامه لنفسه وأرضاء ضميره، وتفرض احترام حقوق الآخرين وإنسانيتهم. تعمل تلك الخطوط كدليل إرشادي في الحياة، يبين للإنسان الطريق القويم، والأفعال التي يجب أن يتجنبها كالسرقة والكذب والاعتداء على شخص وأملاك الآخرين، والصفات التي يجب ألا يتصف بها كالانتهازية والخيانة والغدر... وما الى ذلك.
الخطوط الحمراء هي جزء من حياتنا كراشدين نعيش في المجتمع، تأتي على شكل قوانين تنظم المجتمعات وتقضي بمعاقبة ونبذ من لا يلتزمون بها. لذلك يشعر الناس بالأمان، فهم يعلمون ان من يرتكب المخالفات يدفع الثمن، وان المجرمين يحاكمون. فذلك من المسلمات.
في هذا الجزء من العالم هناك خطوط حمراء أخرى، فالتعرض بالسوء للدين هو من المحرمات وعلى الجميع احترام قدسيته. رأس الدولة هو أيضا مصون بحكم القانون من أي نقد أو تشهير وكذلك الأمر بالنسبة للجيش بصفته حامي استقرار الدولة.
أهم ما في الأمر أن تكون هذه الخطوط الحمراء مُعرّفة بشكل واضح لا يحتمل اللبس، حتى لا يدعي احد من خارج العناصر المعروفة ذات الحصانة، بأنها تنطبق عليه أيضا. لأنه إن حصل ذلك فإن الخطوط الحمراء ستفقد ميزاتها ، وبالتالي تحدث الفوضى .
عن الغد.