عمون - في دقائق معدودة تحولت هتافات موالية قبيل إزالة البسطات ليل الجمعة /السبت في منطقة العبدلي إلى أخرى في الساحة الهاشمية وسط العاصمة عمان تؤيد تنظيم الدولة أو ما يعرف بـ "داعش".

على أمل وقف قرار اخلاء موقع سوق العبدلي من البسطات حاول اصحابها استمالة مسؤولين في امانة عمان وقوات الدرك بأنهم يحترمونهم ويقدرون عملهم، لكن "دون المساس برزقهم"، غير أن "الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن".

بالقوة والغاز المسيل للدموع والاعتقالات فرّقت قوات الدرك اصحاب البسطات الذين رفضوا أمر الإزالة، وغدت منطقة سوق العبدلي الى ساحات مطاردة بين الامن وهاربين من "هري" قوات الدرك والغاز المسيل للدموع.
"جرافة" الأمانة عملت على خلع "السرادق" المبنية فوق البسطات وازحت كل ما هو أمامها، فيما عمد عدد من اصحاب تلك البسطات على ابعادها طواعية الى أماكن مجاورة.

الأمطار كانت تهطل والغاز انتشر بكثافة ففرّ اصحاب البسطات ومواطنون وفضوليون في محيط موقع الاشتباكات الى أزقة العبدلي، وسط "مقصات" أمنية منعت مرور حركة السير وحولت الطرق الرئيسة الى فرعية.

بعد أن غادر عدد من اصحاب البسطات مواقعهم ابى آخرون وقف احتجاجتهم فلجأوا الى الساحة الهاشمية، قبل أن يتحصنوا في ظهر الجبل المؤدي الى حي الطفايلة.

اصحاب البسطات يرون في قرار الأمانة ظلماً لهم وتعدياً على رزقهم، وصبوا جام غضبهم بأن تحضروا لمواجهة مفتوحة مع الأمن فاعدوا العدة، واغلقوا منافذ الحي بالحجارة والاطارات و"الحاويات" المشتعلة، كما اضرموا النيران مرات عدة في الجزء العلوي للأحراش.

تجهز المحتجون في الشارع العلوي المرتفع قبالة تمركز قوات الدرك والأمن، وحاولوا الاحتكاك بالأمن حيث اطلقوا العيارات النارية في الهواء والألعاب النارية وضربوا ب"معادن" نقدية على الجدار الحديدي "الدربزين".

هنا تفاعل الأمن مع تصاعد الاحتجاج فتحركت 3 دوريات درك من اصل (5) كانت تقف في اسفل الوادي، واتخذت مكاناً قصياً عن تمركزها، واطلقت قنابل الغاز المسيلة للدموع بكثافة تسربت الى المنازل المجاورة لوقفة المحتجين ووصلت الى مثلث مدرسة مصعب بن عمير من شدة قوتها.

حالات اختناق اصابت افراد عائلات كانت في الشارع العام واخرى سارعت الى الدخول للمنازل تجنباً للإغماء نتيجة كثافة الغاز المدمع والحارق الذي يحدث ضيقاً في التنفس.

على أطراف الحي أخذ محتجون يشتمون قوات الدرك التي افرطت في استعمال الغاز المسيل للدموع لانهاء الاحتجاجات، بينما أخذوا يهتفون لتنظيم الدولة الاسلامية "الشعب يريد داعش في عمان".

لكن شباناً من المنطقة وعارفين بأصحاب البسطات يقولون أن لا علاقة لمن يهتف ب"داعش" ولا تربطهم اي صلة بهم لا من قريب ولا من بعيد، لكنها تبدو إشارة إلى أن "التضييق على الارزاق سيدفع بالناس الى التطرف وسط ظروف معيشية صعبة تعيشها البلاد"، ومن هنا جاء صراخ احد المحتجين موجهاً حديثه للدرك "اللاجىء السوري بوخذ الف دينار وانتم 200 دينار..خليكم".

وعادة تتعاطى الدولة مع مثل هذه المواقف والهتافات على أساس أنها تدخل في باب المناكفة، وفي سياق الغضب على الاوضاع الاقتصادية الصعبة.

يلّخص اصحاب البسطات مشكلتهم بأن الأمانة لم تخلق مكاناً بديلا ملائماً ومناسباً لفرد بسطاتهم، بينما يغمز مسؤول في الأمانة من قناة كثر البسطات للشخص الواحد.

يقول اصحاب بسطات التقت بهم "عمون" فجر السبت " الأمانة خصصت مكاناً ضيقاً بشكل عام وفي مكان البسطة الواحدة، فالمجمع الجديد على مساحة محدودة تتسع لـ 500 بسطة، بينما الحالية تتسع لنحو 1800 بسطة".

ويردون على حديث مدير ادارة الازالة في امانة عمان احمد العبيني بأن هنالك 20 بسطة للشخص الواحد بالقول " غير صحيح وقد ارسلت كشوفات لنحو 1500 شخص بوثائقهم تؤكد على أن للشخص بسطة واحدة وفي اكثر تقدير بسطتين".

ويقول نضال أحد اصحاب البسطات لـ عمون " اذا وجدت الأمانة أكثر من بسطتين فلتأخذ الثالثة لها، لا يوجد العدد الذي يتحدث به المسؤلون وهي مبالغة لتبرير قرار الازالة"، متساءلاً " لماذا لا يُنظّم السوق الحالي في العبدلي".

ويشير الى أن هنالك من يؤجر بسطته بمبلغ ليس مرتفعاً لطلبة جامعيين يُكمِلون دراستهم وآخرين يعيلون اسراً، لكن "عمون" لم تتمكن من التحقق لأعداد المالكين الفعليين .

كما أن نضال يلمح الى أن البسطة في مجمع العبدلي تقع على مساحة (ثلاثة امتار في مترين) بينما في رأس العين حيث المقر الجديد (متران في متر)، لكن العبيني يقول لـ عمون " المساحات الجديدة واسعة تضم نحو 500 بسطة غير المرافق العامة والصحية".

العبيني يؤكد لـ عمون أن نحو 160 صاحب بسطة فقط سجلوا من اصل 500 يمكنهم الانتقال الى الموقع الجديد، ويتساءل " لماذا لا يسجلوا ليذهبوا الى الموقع الجديد؟".

ويرى اصحاب بسطات أن الأمانة ارضت من وصفوهم ب"اصحاب الصوت العالي" وحثتهم على عدم افتعال أزمة واثارة الاحتجاجات عند تطبيق قرار الازالة في سبيل منحهم مواقع أخرى في السوق الجديد أو في مواقع أخرى يختارونها في عمان.

ويلفت اصحاب بسطات ان "أعضاء الأمانة التابعين لمناطقهم لا يقفون إلا جانبهم، ويتعاطون مع الموضوع على أسس "براغمتية" حيث مصلحتهم تطغى على مصالح الناس الكادحة "– بوجهة نظرهم-.

الأمانة ترى في قرارها تصحيحاً لوقف العشوائية في الاسواق داخل العاصمة، حيث بدأت في اجراءات داخل وسط البلد لضبط السوق، ومنع وقوف السيارات بهدف استقطاب السياحة المحلية والخارجية له.

كما تسعى الامانة من خلال قرارها الى الحد من الازمة المرورية مع تخصيص مقر سوق العبدلي كموقف للسيارات التي يرغب مستقلوها الوصول الى وسط البلد، حيث تخطط الامانة لتخصيص حافلات كبيرة تنقل المواطنين الى قاع المدينة بعد ترك سياراتهم في الاماكن المخصصة لها في العبدلي.

كانت الأمانة اعلنت منذ اسابيع أنها ستغلق سوق العبدلي وتنقل موقعه الى منطقة رأس العين، ويرتاد السوق العديد من المواطنين من الطبقات المختلفة وإن كان مقصداً مهماً لذوي الدخل المحدود حيث الاسعار منخفضة مقارنة بالسوق العادي.