اربيحات يكتب .. ناصر ينتظر
11-10-2014 08:58 PM
ناصر شاب ثلاثيني يحمل درجة جامعية في العلوم الانسانية منذ تسعة اعوام ويسكن مع والديه...يتلقى اعانة شهرية من شقيقية طارق وأمجد...له عدد من الاصدقاء يلتقون يوميا وتستمر رحلة بحثه عن العمل الذي يبدوا انه لن يجده.....
صادفته قبل ايام وتحدثنا كثيرا عن الوطن والحب والخوف والامل المفقود.
قلت له اشياء كثيرة لا اظن انه اقتنع بها...فعمق تجربة الاهمال وتشبعه بقصص وروايات الفساد اكبر بكثير من ان يطمس اثرها حديث وعظ عابر....قال فيما قال بانه ينام طويلا ولا يحلم فالحلم جرى اغتياله قبل سنوات وهو لا يثق باحد في موقع المسؤولية كائن من كان....في كل يوم يفيق ناصر من النوم عند الثامنة والنصف صباحا ....يشعر بالكثير من التبلد وموت المشاعر ولا يلقي بالا لما يتداوله الاعلام فهو كمسرحية كوميدية تعرض في بيت عزاء لا شىء يسلي او يضحك..يتناول افطارا متواضعا قبل ان يدخل في مارثون التدخين الذي ياتي على كل الاعانات التي يقدمها الاخوة له .
فما ان ينتهي من تناول ما اعده الاهل للفطار حتى يشعل سيجارته الاولى التي تشكل بداية متوالية التدخين التي لا تنتهي الا عند النوم, ويبدا رحلة التصفح لشاشات هاتفيه يطالع بعض الرسائل والكتابات والنكات والحكم المنقولة والاخبار التي ارسلها اليه الاصدقاء على هيئة رسائل قصيرة ومنشورات فيسبوكية
اليوم لدى ناصر بصيص امل فقد سمع بان وزير العمل سيقضي على البطالة دون ان يحدد كيف ومتى وقال ان لديه استراتيجية لتشغيل عشرين الف او يزيد لكنه لم يحدد كيف ومن ومتى ايضا فقد ظن صاحبنا انه من بين المقصودين ببرنامج الوزير التشغيلي الاحدث.
سمع ناصر عن معارض التشغيل التي تقيمها الوزارة للشركات لتعرض احتياجاتها من القوى العاملة ...و سمع عن مئات الورش التي يعقدها شبان المبادرات لتدريب العاطلين على اعداد سيرهم الذاتية ومقابلة المدراء وكيفية اللباس والحديث والابتسام والتمويه اذا ما صادفك موقف لا تعرف كيف تتصرف فيه.
وتداول رفاق صاحبنا قصصا عن الشراكة بين اشقاء الوزراء في مشاريع الطاقة المولدة من الرياح في معان والطفيلة والشوبك وتوصيات الشبان الذين يديرون شركاتهم من مواقعهم الرسمية فغضب وقرر ان لا يذهب لمهرجانات الدعاية الوهمية لاعمال ووظائف غير موجودة خصوصا بعد ان سمع باذونات عمل لالاف البنغاليين في المناطق المحمية والحرة.
قال له زوج شقيقته العصامي ان العامل المصري يتقاضى ثلاثون دينارا يوميا والسوريون يوجدون في معظم متاجر ومطاعم ومحلات اربد وعمان والزرقاء فلما لا تبحث عن وظيفة في مثل هذه الاماكن تردد الشاب الثلاثيني الذي مضى على تخرجه تسع سنوات وهوينتظر.... يعمل شهر هنا واسبوعين هناك...كنت انتظر دوري قبل ان تتغير الاسس التي يركب فيها امتحان على امتحان على امتحان.
وسمعت ببرامج التاهيل والتشغيل وتطوير السياحة...وعرفت ان البرامج تدار لكنها تاتي كرقع لثوب اصابه التلف ...فما قيمة البرامج والسوق ياتيها العاملون من كل حدب وصوب وبصورة تجعله اكثر اسواق العمالة رخاوة في العالم...
مئات الاف المصريين وعشرات الاف السوريون والبنغاليون والصينيون والسيرلنكيون والمشكلة ان الذين كانوا عمالا اصبحوا ملاكا فوادي الاردن تم تظمين اقطاعياته الى عمال ياتون بفرق عمالية شكلوها انفسهم ...والمتاجر والمطاعم وحتى الاكشاك يجري تضمينها من جماعة الى اخرى وهي خارج التغطية.
ويستانف ناصر القول "سمعت ان دول استقطاب العمالة والتي تحتاج لها عشرات اضعاف حاجتنا عملت على اعداد برامج لسعودة العمالة..وتقطير ذلك اجدى من ان تدفع رواتب لغيرها وكوتنتها "أي لتصبح سعودية وقطرية وكويتية" وبهدف توفير العمل لابناء هذه البلدان....لكنني ارى ان حكومتنا تتحدث بشي وتودي شيء اخر فما معنى ان يدخل الى السوق سوريون ومصريون وبنغاليون وابنائنا عاطلون."
اعرف ان بعض المسؤولين استخدموا ولا يزالوا حجة واهية تتمثل في ارجاع المشكلة الى ما اسموه ثقافة العيب وراقت لهم واستخدمها البعض لتبرير مخالفته للقواعد التي يضعوها...ويظنون ان عليهم معاقبة الاردنيين باستقطاب عمالة اجنبية حتى يعودوا عن عصيانهم...في المقولة تسطيح وبحث عن مبررات لا تستقيم عند تفحصها ومحاكمتها...الدولة معنية بتشغيل ابنائها حتى ولو دعمت رواتبهم بنسبة 80% لان دخل الاردني يدور مرة واكثر في الاقتصاد الاردني اما غير الاردني فانه يقتطع من اقتصادنا ويذهب لدول اخرى كعملة صعبة.
العاملات من بعض الجنسيات الاسيوية لا ينفقن دينارا واحدا من دخولهن في الاردن...وعمال اخرون من جنسيات عربية يستخدمون لباقتهم ليعملوا في خمسة مهن او اكثر ويعملون على تحويل العائدات لبلدانهم.
عدم اقبال الاردنيين على الاعمال المتوفرة لا يعني اهمالهم بل يعني ان نجعل الاعمال اكثر جاذبية لاستقطابهم لان في ذلك فائدة لهم ولاسرهم ولمجتمعهم وللدولة والقطاعات الاخرى..من لا يجد عمل كريما في بلده يعاني من مشكلات كبرى ليس اقلها تردي مستوى الصحة النفسية والاستعداد للعنف والنقمة على الدولة والنظام والمجتمع خصوصا عندما تتسرب حكايات تورط مسؤولين على راس عملهم في ادارة شركات لهم ولها صلة بالقطاعات التي يعملون فيها او يؤسسون شركات باسماء اقربائهم ومحاسبيهم.