في سايكولوجيا التعامل مع النجاح
عاطف الفراية
26-03-2008 02:00 AM
قناة الجزيرة..والثورة الإيرانية .. أكثر الموضوعات التي يتناولها العرب بطريقة تستدعي الضحك والحزن والشفقة معا.. بل تستدعي الذهاب إلى أطباء النفس للاستعانة بهم من أجل تحليل الحالة النفسية التي ينطلق منها صب الغضب على النجاح أيا كان شكله ومصدره .. وهي أزمة نفسية تعاني منها أمتنا وإعلامنا وإعلاميونا.. منذ تشكل الغيرة الأولى عند الطفل أمام نجاحات ومواهب طفل آخر.. مرورا بالحسد والتهكم الذي يبديه الفاشلون حين يشاهدون أقرانهم ينجزون أي شيء مهما كان صغيرا.. وانتهاء بآلة الإعلام الرسمي والموجه من قبل الدول..
وسأكتفي بتناول الحالة الإيرانية مثالا.. باعتبار أن موضوع الجزيرة قيل فيه الكثير.. وعلى ذات المنوال .
فالثورة الإيرانية التي واجهت حرب الثماني سنوات بكل كوارثها خرجت منها لتستعيد عافيتها سريعا وتنتبه لبناء ذاتها بصمت.. وعلى مدار السنوات الثلاثين الماضية والتي هي عمر تلك الثورة .. لم يتمكن العرب من الاستقرار على مصطلح محدد لشتم إيران والتهوين من شأن إنجازاتها.. فهم عند (الثورجية العرب) في السنين العشر الأولى وإبان الحرب كان اسمهم (الفرس المجوس) مع أن كلمة المجوس تحمل معنى التكفير.. وفي نفس الوقت يشن مستخدموها من العرب حربا على التكفيريين (وبالمعية على الإسلاميين) إمعانا في منحنا أدلة طبية على حالة الفصام التي يعيشونها..
وفي العشرة الثانية وبعد انتصارنا البالوني الذي غنينا له بحجم ما كانوا هم يعملون بصمت.. (وبصرف النظر عما آل إليه ذلك الانتصار من كوارث على المنتصر لا على المهزوم..) أصبح اسمهم في لغتنا اليومية (نظام الملالي).. وآخر إنجازاتنا البلاغية في عهدهم الذهبي الحالي أصبح اسمهم (الصفويين) ..
ومن أظرف ما نسلي به أنفسنا في (دول المواجهة والصمود وسلام الشجعان والخصخصة وحكومات الديجتال) حين نرى ونسمع ونقرأ عما وصلوا إليه أن نقول: إن ذلك كله على حساب قوت ورفاهية مواطنهم الذي جعلوه يعيش تحت خط الفقر المدقع بتوجيههم عائدات ثروتهم النفطية إلى تجارب ومغامرات غير محسوبة ( على اعتبار أن مواطننا مش ناقصه حاجة.. ومغامراتنا محسوبة وناجحة)
وقد تواترت الأخبار من الذين يزورون إيران ويجرون فيها دراسات استطلاعية حاليا أن ظاهرة الفقر المدقع في إيران قد تلاشت تماما.. وأنهم تجاوزوا هذا الأمر بينما تمكنوا في مرحلة (ترشيد الاستهلاك إلى حد التقشف) أن يبنوا لأنفسهم موقعا بين الأمم المتقدمة والتي يحسب لها العالم حسابا كبيرا.. بل يضعوا أنفسهم على خارطة القوى العالمية المؤثرة باقتدار.. وقد وصلوا على هذا الصعيد إلى عدم التوقف عند تصدير النفط.. بل أصبحوا يصدرون القمح.. ويصدرون السيارات الإيرانية المتطورة إلى أكثر من ثلاثين بلدا في العالم.. بل أصبحوا يفتحون مصانعهم خارج بلادهم كما تفعل اليابان مثلا.. فهم ينتجون السيارات في أذربيجان والسنغال وفنزويلا وحتى سوريا..
وقد تجاوزت نسبة السيارات العاملة في شوارع المدن الإيرانية من صنعهم المحلي حاليا نسبة التسعين في المئة من مجمل السيارات داخل البلاد. وأحرقوا الكثير من فواتير الاستيراد من معطيات التكنولوجيا والغذاء معا. وقد تم مؤخرا تدشين أول مركز فضائي لإطلاق الأقمار الصناعية إلى الفضاء.. وفي الوقت الذي أطلقنا أقمار الفيديو كليب والرقص والفتح بالفجان والكف وفك السحر وتصدير الفكر (الطابوني والسيجطابي) إلى الفضاء والعالم الرقمي.. أطلقت إيران من مركزها المحلي أول صاروخ يحمل قمرا صناعيا ..
وقد حققت إيران نجاحات باهرة في مجال الطاقة النووية التي ستخلف النفط حال نضوبه.. وامتلكوا دورة الوقود النووي بعد نجاحهم في تخصيب اليورانيوم.. كل هذا وهم يعملون بجد وصمت.. دون أن تتطور تقنيات الشتائم والردح وشعر الفخر وأغاني تمجيد الذات في لغتهم ..
فماذا حقق (عرب المواجهات الشعرية) بجوع شعوبهم وأمراضها وتجهيلها؟ مقابل من نصفهم ب (الفرس المجوس.. والملالي.. والصفويين).
يجيب خميس بن جمعة بابتسامة ساخرة: خليها على الله يا صاحبي.. وتذكّر أنه أينما كثر الشتم والردح والإنشاء والتغني بالانتصارات الوهمية وتلميع الذات والتطبيل والتزمير.. فاعلم أن الكارثة وشيكة.. والزلازل قادمة.
atefamal.maktoobblog.com