ماذا بعد؟! .. *ناهض الوشاح
11-10-2014 03:52 AM
في غفلة من القلق ... يجتاحك سأم صباحي بمجرد خروجك المحكوم بأن لا بيت تسكنه سوى لقضاء ليل تنام فيه وتفكر كم تبقّى من الوقت لدفع أجرة جدران تحوى ركام ملابسك وكتبك وفرشاة أسنانك وبعضا منك في صور معلقة على حائط مُلطّخ بصراخ لا يسمعه سواك ؟!
تتحسس صدرك وأنت تتمخط نيكوتين التبغ العالق في جوفك نتيجة الشراهة الزائدة في تعويض ما فاتك من مص صدر أم لم يمنحها هياج والدك الجنسي إلا مزيدا من الأخوة والأخوات ... ترتيبك الأول في المواليد والأخير في الحنين .
تفترش أصابعك جيبك كما تفترش فراشة ظل وردة ... يصطدم لسانها بالرحيق ... وعيناك تصطدم برجل يحمل كيسا يسبقه طفلا بالغ التعب في انحناء قامته ... تحاول مد ساقيك لتطوي الأرض المسافات ... تغرس قدميك في الريح ... تغرس رأسك في شاشة الهاتف بحثا عن رسالة تشبه قاتلا مأجورا يُخلصك مما ترى ... ولا ترى إلا (علب الكولا )الفارغة يحملها الطفل إلى كيس أبيه .
أي عدم يسير معنا في الطرقات ... أي هوية إنسانية نستخدمها أمام هذا الكم الهائل من القهر الذي يستشري في نمو الثالوث المرعب( المرض. الجهل . الفقر) وتوغله في حياة أناس يُدفنون أحياء ... لا قيمة لهم ..هم أعداد زائدة ... رقم في ذيل الصفحة ... شمعة لا تُضيء .. تحترق ليتابعهم الأغنياء في فيلم سينمائي يشاهدونه في سهرات البذخ . يحزنون قليلا ... ثم يصفقون بحرارة للممثل والمصور ... ولمخرج السيناريو.
عالم ضائع ... نضيع فيه بمجرد ولادتنا على هذه الأرض التي تصنع من عظامنا وأفكارنا وأحلامنا سلّما للإقطاعيين وأصحاب النفوذ لسرقة أبسط حقوق البشر البسطاء ... الذين يحلمون بسقف منخفض وشارع ضيق .. وسلسلة من الأفراح المهزومة ... شهادة وزوجة وأطفال يحملون حقائبهم بدل أن يحملوا أكياسا لتجميع العلب الفارغة .
الفقر كفر ... والكفر باذخ في سرقة كل مقدراتك الإنسانية ... إنه يُذل ويَحط من قدر الإنسان ... يُنسيك أهلك وأصدقاءك ... يُجردك من قيمك ومبادئك ... يجعلك مداسا لأحذية لمعتها الأفواه الجائعة .
هزائم تجتاحك كل يوم ... تغتالك وأنت تبحث عن جواب أعرج لسؤال معافى من الكبت والحرمان والقهر الذي أغدق دلاله على كثير من الخلق . وكثير من الخلق يروي حكايته بطريقة وجع واحد وفرح هزيل يسلبك أجمل سنين حياتك حين تمضي وتدرك أن هذه الطفولة البائسة المحترقة بنار الفقر .... لن يعنيها جائزة نوبل ولا عدد الأسرى ولا القتلى في العالم ولن يعنيها موجة الانتحار التي تجتاح الكتل البشرية ... فهي تسير بطريقها نحو الزوال إن لم نأخذ بأيديهم ونُحررهم من هذا الإرث الموبوء بالفشل والضياع ...والجوع .
فالشيطان لا يحكم إلا عالَما يُريد أن يطفئ نور الله في الأرض .... (والله متم نوره ولو كره الكافرون ).