جرائم ضد الإنسانية في الأردن!
فهد الخيطان
11-10-2014 03:31 AM
تقرير الزميل والصديق هشال العضايلة في "الغد" يوم أمس، يذكرنا من جديد بالمأساة التي تلاحق مئات العائلات جراء الجلوة العشائرية. وكان آخرها ما جاء في التقرير عن الخروج القسري لعشرات العائلات "ما يعني مئات الأفراد" من إحدى البلدات في محافظة الكرك، على خلفية جريمة قتل وقعت عشية يوم عيد الأضحى.
ويكشف العضايلة في تقريره، استنادا إلى مصادر رسمية في المحافظة، أن هناك 15 حالة جلوة عشائرية ما تزال قائمة في الكرك.
الجلوة العشائرية، وبالطريقة التعسفية التي تطبق في عدد من المحافظات الأردنية، ترقى لأن تكون جريمة ضد الإنسانية بالمفهوم المعاصر لدولة القانون. المئات من النساء والأطفال يشردون من ديارهم، والمئات يخسرون وظائفهم، ومثلهم طلاب وطالبات يفقدون فرصة استكمال دراستهم الجامعية، ومزارعون يهجرون أراضيهم ومواشيهم؛ كل هؤلاء يعيشون في معظم الأحيان عالة على غيرهم من الأقارب أو أهل الخير. أليست هذه جرائم ضد الإنسانية؟
لقد عاينت عن قرب معاناة أصدقاء خضعوا للجلوة العشائرية على خلفية جريمة قتل لم يكن لهم علاقة بها أو ذنب، لكنهم بالنتيجة دفعوا ثمنا يفوق ما دفعه مرتكبها. فالقاتل يذهب إلى السجن ليُعاقب على جريمة ارتكبها، بينما المئات يُشردون من دون أن يعلموا نهاية لرحلة العذاب هذه؛ لا بل إن أقارب المجرم يعيشون حياتهم في خوف وقلق تحسبا من ثأر أهل الضحية.
لم تنجح محاولات شيوخ وشخصيات عامة في تقنين الجلوة العشائرية، وتقييدها في الفرع الأول لمرتكب الجريمة. بُذلت جهود في هذا المجال قبل سنتين، لكنها لم تترك أثرا في الواقع.
والجهات الرسمية تبدو مستسلمة تماما أمام الحالة، ولا تُظهر أي قدر من المقاومة حيال شروط أقارب ضحايا جرائم القتل؛ لا بل إن كوادر الشرطة تتولى بنفسها نقل "أقارب المتهمين بالقتل من الدرجة الخامسة"، كما حصل في الكرك مؤخرا.
والجلوة العشائرية ليست تقليدا خاصا بمحافظات أو مناطق دون سواها في الأردن؛ إنما هي نهج عام لا يميز بين عمان أو الكرك، ولا بين قرية أو مخيم. بمعنى آخر، هي ثقافة مستقرة في البنية الاجتماعية الأردنية، تسندها نصوص في التشريعات السارية. لكن، ومهما قلنا عنها، فإنها تنتمي إلى عصر ما قبل الدولة المدنية الحديثة؛ دولة القانون والمؤسسات التي مضى على تأسيسها في الأردن قرابة 100 عام!
هل من وسيلة لاجتثاث هذا الإرث السيئ من حياتنا؟
المهمة صعبة وثقيلة بلا شك، ولا يمكن إنجازها بضربة واحدة. لكننا، وبكل أسف، لم نبدأ، بل ونتراجع إلى الخلف. السنوات الأخيرة شهدت صعودا كبيرا للهويات الفرعية في الأردن، وفي المقدمة الهوية القبلية والعشائرية. سلطة العشيرة تقدمت على سلطة القانون، والولاءات الفرعية تسيّدت على حساب الولاء للدولة وقوانينها. ثقافة ما قبل الدولة، بكل تلاوينها، نمت بمعدلات قياسية.
وبينما النخب منشغلة بالنقاش حول أولويات الإصلاح السياسي، يغيب الاهتمام بالإصلاح الثقافي والاجتماعي. حتى مؤسسات الدولة المعنية بالرعاية الاجتماعية، لا تولي المهجرين عن ديارهم بسبب الجلوات العشائرية أدنى اهتمام.
كل يوم يتبين لنا أن حديث الإصلاح الأردني لا يتعدى القشور، ولم يبلغ بعد لبّ المشاكل؛ هناك في أعماق المجتمع، حيث ينبغي أن تخاض المعارك الحقيقية مع التخلف بكل أشكاله. ومن دون الانتصار في تلك المواجهة، لا جدوى ولا قيمة لكل الإصلاحات.
(الغد)