ثمة قضيتان مترابطتان بشكل وثيق , وإن بدا في الظاهر أنهما ليستا كذلك , تشغلان الوسط الصحفي هذه الأيام وهما انتخاب مجلس جديد للنقابة , والأحكام الصادرة بحبس عدد من الزملاء الصحفيين, في سابقة نؤكد أن توقيتها جاء مصادفة لثقتنا باستقلالية القضاء الأردني , وبعده عن أية تأثيرات جانبية .
في قضية الإنتخابات, التي تبدو متميزةً لهذا العام , بالنظر إلى العدد الكبير من المترشحين, يندفع بعضهم لبذل وعود فضفاضة غير قابلة للتطبيق من قبل مجلس النقابة, لأن الدول العربية مجتمعةً لم تكن قادرةً على تنفيذها , أو لأن باذلي تلك الوعود لايملكون أدوات تنفيذها , لأنها خارج الصلاحيات التي يمنحهم إياها موقعهم الجديد, وقد أوقع ذلك جموع الصحفيين في حيرةٍ يجاهدون للتخلص منها قبيل الوصول إلى صناديق الاقتراع , فكيف يمكن للصحفي أن ينتخب مترشحاً يصف برنامجه الإنتخابي نقابة الصحفيين بأنها تاريخية, إلا إذا قرأ ذلك الرنامج على أساس أنه ( صف حكي ), أو حين يستقوي المترشح بجهات لاعلاقة لها أصلاً – وهي لم تتدخل فعلياً – في العملية الانتخابية , على الاقل في هذه المرة .
وفي قضية الأحكام الصادرة بحبس عدد من الزملاء, وبشكل يبدو مثيراً للقلق , في بلد يعلن قائده ليل نهار أن سقف حرية الصحافة هو السماء, وهو سقف لانعتقد أن واحداً من صحفيي هذا البلد وصله أو حتى حاول الوصول إليه, فان المؤكد ان القضاء التزم فيها بحرفية النصوص القانونية , دون النظر إلى روح القانون, ودون أن يأخذ بالاعتبار الدور الملقى على عاتق الصحافة باعتبارها أدبياً وعرفاً السلطة الرابعة, ودون النظر إلى طبيعة الدور الحقيقي لرؤساء التحرير, الذين شملت قرارات الحبس اثنين منهم ,إلا إذا كان القانون يتجاهل استحالة اطلاع رئيس التحرير على مواد أكثر من ستين صفحة يوميا , وتدقيقها, وإجازة نشرها .
الترابط بين القضيتين واضح , فالصحفيون لاينتظرون نقيباً يحرر لهم الجزر الإماراتية المحتلة من إيران, أو ينوب عن المجتمع الدولي والقمم والجيوش العربية في استرجاع فلسطين وإقامة دولة فلسطينية على أرضها التاريخية , أو يثير قضية لواء الاسكندرون التي سكت عنها أهلها بقدر ما يأملون بنقيب يفعل دور نقابتهم في الدفاع عنهم وعن حقوقهم وهم يؤدون دوراً متميزاً في خدمة وطنهم, أو يحقق لهم مكتسبات هي في واقع الأمر من أساسيات حقوقهم التي لم ينالوها , إما بسبب تغول المؤسسات التي يعملون بها على تلك الحقوق , أو بسبب تقاعس من عليهم المطالبة بها .
سمعنا من المترشحين كافةً الكثير من الوعود, التي نثق باستحالة تنفيذ بعضها وإن كنا ندرجها في باب التمنيات , وستمر مياه كثيرة تحت الجسور حتى موعد الوقوف أمام صندوق الاقتراع , وقد تتغير الخارطة التي نعرفها الآن , قد ينسحب البعض , وقد نفاجأ بترشح من لم نكن نتوقع ترشحهم , لكننا نعرف أننا سنقف أمام ضمائرنا ووعينا وذاكرتنا , لنختار نقيبا على قدر المسؤولية التي نتوخاها من شخص يشغل هذا الموقع الهام جداً , ونثق بقدرته على تنفيذ وعوده التي بذلها لناخبيه, وأولها وأهمها الحفاظ على هيبة الصحفي وحقه في تميز رأيه , وحقه أيضاً ( بالنسبة لطبيعة عمله ) في كشف الحقيقة دون تجنٍ على سمعة الآخرين وشرفهم , ودون أن يشكل ذلك مدخلاً لجرجرته إلى السجن مع سارقي الدجاج والمختلسين والدجالين .