دواوين العشائر وهرجها في العيد، مختلفة عن تغريد الصالونات السياسية في عمان، هذه جمل ملغّمة، وتلعيب حواجب، وتلك استبشار وحمد كثير، وصهيل الكلام المباشر الذي يعطّر الجلسة كرائحة القهوة وبهارها!
وكله قبل كل شيء، وبعد كل شيء، له مكان في بلدنا، وله ناسه ولو رصدنا حصيلة الاعياد السنين التي تقضت، لوجدنا ان الدواوين هي التي كان صوتها الأعلى، وان رجالها هم الذين صانوا الكيان والأمن والاستقرار! في حين ان اهل الصالونات صاروا هم الاكثر مالا، والاكثر نفوذاً!
وهذا ليس مستخلصاً سيسولوجياً يستحق الدرس، وانما هي ملاحظة نسوقها بعد عطلة العيد، ولعل الطقس الجميل في عمان كما في العقبة وشواطئ البحر الميت أتاح لأهل الدواوين بعض الوقت للاستمتاع بخير الاردن، في حين ان اكثر اهل الصالونات استبقوا بهذا الشهر الأجمل من أشهر اوروبا او تركيا.. ففي العقبة والبحر الميت كثير من الاردنيين!
ونحمد الله!! فقد أُعطينا العيد والفرح في حين ان جيراننا حُرموا منه، كانت دمشق هي الأقرب، وكان اناس يحبون بيروت اكثر، فعاصمة الامويين الآن تغوص في الدم رغم كل التطمينات الاعلامية الحكومية، وفي بيروت ينشط الخاطفون من المطار، وتشعر ان المدينة في حال من التوتر والتحسب، الأمر الذي لا يجد الزائر انه في المكان المناسب!
مرة قررنا: د. رفعت عودة، وابو محمد العجلوني وانا ان نقضي العيد مع المقاتلين العراقيين اثناء الحرب العراقية-الايرانية، فزرنا الجزء الشمالي قصر شيرين وديزفول ولأول مرة أرى د. رفعت رحمه الله ورحمنا، يصرُّ على النزول من السيارة، والسير في شوارع فارغة في قصر شيرين!
- ايش يا دكتور؟ تطلع الرجل الشيخ بعينيه اللامعتين: تصوروا اننا نمشي في مدينة نحتلها، في حين ان مدننا هي المحتلة، وعند د. رفعت المدن هي القدس وهي حيفا وهي نابلس وجنين والخليل!
بقينا ثلاثة ايام على الخطوط الملتهبة، واصر د. رفعت انه لا يحتاج الى دوائه: وانه يا طارق فرح القلب وليس وجع القلب كما تقول!
الآن، في العيد نشعر كلما توجهنا شرقاً بالحزن المضاعف، فلم يعد هناك جيش يقاتل دفاعاً عن البوابة الشرقية لنعيّد في خنادقه، وصارت الحرب: حرب داعش!
(الرأي)