يعاني المتخصصون في المجالات العلمية والمهنية من المتدينين والإسلاميين (يبدو لي أن ثمة فرقا بين المتدينين والإسلاميين) من كابوس. هذا الكابوس هو التوفيق بين العلم والدين، وفي أحيان ما يحسبونه من الدين وهو ليس من الدين..
كيف يرد الاختلاف، أو ما يبدو اختلافا، بين العلم والدين؟ هل يملك أهل العلم بالدين القول أو الحكم ببطلان مقولة علمية تناقض الدين أو تبدو مناقضة له؟ وهل يملك أهل العلم القول أو الحكم ببطلان مقولة دينية تبدو مناقضة للعلم؟
بالطبع، فإن المسألة ليست أمرا جديدا، وقد أشعلت صراعا طويلا في التاريخ الديني بعامة؛ الإسلامي والمسيحي واليهودي. ولكنها تعود اليوم لدى بعض المتدينين والإسلاميين من أهل العلم والاختصاص والمهن، الذين يعتقدون بإمكانية تطبيقات وأفهام علمية ومهنية مستمدة من الدين، وبعضهم ممن يجد حرجا وتناقضا بين العلم والدين.
حسم المسألة ببساطة يقوم على مسألتين بدهيتين:
1 - الاستقلال الحتمي والتأسيسي بين الدين والعلم. والتقاؤهما في بعض الأحيان، لا يعني أنهما شيء واحد، ولا يعني أنه التقاء حتمي أو ضروري. كما لا يعني اختلافهما أن أحدهما خاطئ بالضرورة؛ فالدين تصديق بالقلب، والعلم عمليات عقلية وتجريبية. والدين لا يمكن إثبات خطئه، والعلم يجب أن يكون قابلا لإثبات خطئه؛ هو عمليات ونتائج غير يقينية.. هي صحيحة في اللحظة القائمة إلى أن يثبت خطؤها، وهي موضع مراجعة واختبار دائمين.
لا حرج في الاختلاف بين الدين والعلم وتناقضهما في المسائل والنتائج، ولا يحتاج العالم المتدين أن ينحاز إلى أحدهما أو يتخلى عن أحدهما، كما لا يحتاج أيضا إلى التوفيق بينهما. والأهم من ذلك أنه لا يحتاج العالِم أو المهني أن يستمد من الدين المعرفة العلمية أو المهنية، ولا أن يطبق الدين على عمله العلمي أو المهني؛ إنه بذلك يشوه الدين والعلم والمهن معا، ويلحق بها ضررا كبيرا.
2 - ضرورة التمييز بين الدين والعلوم الدينية والتطبيقات الدينية (الشريعة). فالفقه أو التفسير والشريعة بعامة، ليست هي الدين، ولكنها الفهم والتطبيق البشري للدين. الدين هو النص الذي يؤمن المتدينون أنه نزل من السماء على النبي.
(الغد)