زيارة الملك لموسكو .. والفرص المتاحة
د.زهير أبو فارس
09-10-2014 05:52 PM
زيارات الملك الى موسكو ولقاءاته على أعلى المستويات، أصبحت من الأمور العادية، التي تميز العلاقات الأردنية الروسية، والتي يمكن تصنيفها بأنها في أفضل حالاتها، ويعتقد أن الكيمياء بين الملك والرئيس بوتين أحد أهم أسبابها، على الرغم من الاختلاف في مواقف البلدين في بعض القضايا الاقليمية والدولية، والتي يبدو أن الروس يتفهمونها، وينظرون اليها في اطار " الاختلاف الناعم" الذي لا يضر بالمصالح الحيوية لروسيا.
الملك يدرك، بحسه الاستراتيجي ونظرته الشمولية للعلاقات الأممية، ما تمثله روسيا الآن، في عالم تتبلور فيه حالة دولية متعددة الأقطاب، كبديل لمرحلة القطب الواحد التي سادت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ومعه الحرب الباردة في نهايات ثمانينات القرن الماضي. وهذا يبدو جلياً في ظهور تحالفات وتجمعات دولية بأبعاد اقتصادية، وسياسية، كمجموعة "بريكس" (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب افريقيا)، حيث تشكل دول هذه المجموعة حوالي 15% من اجمالي التجارة العالمية بناتج محلي اجمالي يساوي 18% من الناتج الاجمالي العالمي لكوكب الأرض، وتضم حوالي 42% من سكان المعمورة.
وتمتلك (بريكس) احتياطياً من الذهب والعملات الأجنبية ما مقداره 1.3 تريليون دولار، وتفوق في ذلك مجموعة الدول السبع المتطورة اقتصادياً، وهذا يحدث بموازاة ارتفاع عجز الموازنة الامريكية وضعف الدولار.
وهناك مجموعة الدول المطلة على بحر قزوين - أكبر مسطح مائي مغلق في العالم، غني بالموارد الطبيعية، وتتقاطع فيه شبكة من أنابيب النفط والغاز (روسيا، ايران، كازاخستان، أذربيجان، تركمانستان).
وعلى الرغم من الطابع الاقتصادي المعلن لهذه المجموعة، الا أن ملفات الأمن الاقليمي ومكافحة الارهاب، حاضرة دائماً وبقوة في اجتماعات ومداولات وتوافقات قادتها. هذا اضافة الى علاقات وتحالفات روسيا الدولية الأخرى في أمريكا اللاتينية، وآسيا، وافريقيا، والمنطقة العربية.
إذن، فروسيا اليوم ليست روسيا قبل ربع قرن، ولا حتى الاتحاد السوفيتي في أواخر عهده، وإن كانت الأزمة الأوكرانية قد أثرت سلباً على علاقات روسيا مؤخراً مع اوروبا والولايات المتحدة، الا أنها تبقى قطباً اقتصادياً وجيوسياسياً عالمياً مؤثراً.
والقيادة الأردنية تعي مجمل هذه المعطيات والحقائق حول روسيا المعاصرة في عهد بوتين كلاعب رئيس على الساحة الدولية في مختلف المجالات الحيوية، في عالم تحكمه وتحركه المصالح قبل كل شيء.
من هنا، وفي هذا السياق، تأتي زيارة الملك لروسيا، وفي الاعتبار مكانتها العالمية، التي فرضت نفسها بقوة في المعادلة الدولية خلال العقد الأخير، بل وأظهرت مصداقية وثباتاً في مواقفها تجاه حلفائها، إضافة الى الطاقات الكامنة في العلاقات متعددة الجوانب، التي يمكن ان تستغل لصالح البلدين: روسيا الاتحادية والاردن. ومن اهم المجالات التي يمكن التعاون فيها: الطاقة، والبنى التحتية، والزراعة، والسياحة بشكل عام، والسياحة الدينية على وجه التحديد. فالمشروع النووي الأردني لتوليد الطاقة الكهربائية بالتعاون مع روسيا يمكن أن يشكل، في حال تنفيذه، انطلاقة نوعية واستراتيجية في علاقات الاردن مع روسيا، حيث سيساهم في توفير نسبة هامة من حاجة بلادنا من الكهرباء بأسعار مناسبة وتنويعاً في مصادر الطاقة، وقد تكون الظروف الدولية الحالية الأكثر ملاءمة للحصول على الشروط الأفضل لتنفيذ هذا المشروع الاستراتيجي للاقتصاد الاردني، مع اهمية الاشارة الى أن الشركات الروسية الكبرى يمكن أن تتوجه الى الاستثمار في المجالات الأخرى بتشجيع من الكرملن، كما أن السوق الروسي الضخم قادر على استيعاب المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية الأردنية، خاصة في ظل تنفيذ حزم العقوبات والعقوبات الاقتصادية المضادة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، بسبب الازمة في شرق أوكرانيا، واتهام الغرب لروسيا بالتدخل فيها. وهذا يتطلب تحركاً سريعاً من قبل المعنيين بالشأن الزراعي والصناعي في بلادنا، للوصول الى الأسواق الروسية، أسوة بما تقوم به العديد من الدول العربية في هذا المجال.
أما التعاون في مجال السياحة والسياحة الدينية تحديداً، فالإمكانات والطاقات الكامنة لتطويره وتعزيزه هائلة، وبخاصة في ظل الاهتمام الواضح للكنيسة الأورثوذكسية الروسية بالأردن – موطن المغطس، والعديد من الأماكن والمواقع المقدسة لمسيحيي روسيا.
باختصار، يمكن القول، بأن جهود الملك الموصولة، وعلاقاته المتميزة مع القيادة الروسية، والرصيد الهائل من الاحترام والثقة على المستوى الدولي، تمثل فرصاً ذهبية متاحة لابد من استغلالها والاستفادة منها، وتوظيفها من قبل مؤسساتنا المعنية، على كافة المستويات، وفي مختلف القطاعات، لخدمة مصالح الأردن وتعزيز اقتصادنا الوطني، وهي أهداف قابلة للتحقيق، ويمكن التوجه بها أيضاً الى ما يسمى بدول الفضاء السوفيتي السابق (كازاخستان، أوكرانيا، أذريبيجان، أوزبكستان وغيرها)، التي ترتبط بالأردن بعلاقات طيبة وواعدة. فهل نستفيد من الفرص المتاحة ؟!
*رئيس المركز العربي للدراسات الروسية والسوفيتية
Dr.zuhair@windowslive.com